وعن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رجلًا من أهل البادية كان اسمه زاهر بن حرام، وكان يُهدي للنبي - صلى الله عليه وسلم - الهدية من البادية، فيجهزه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا أراد أن يخرج، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: " إن زاهرًا باديتنا، ونحن حاضروه "(١)، قال: وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يحبه، وكان دميمًا (٢)، فأتاه النبي - صلى الله عليه وسلم - يومًا، وهو يبيع متاعه، فاحتضنه من خلفه، وهو لا يبصره، فقال:" أَرْسِلني! مَنْ هذا؟ "، فالتفت فعرف النبي - صلى الله عليه وسلم -، فجعل لا يألو ما ألزق ظهره بصدر النبي - صلى الله عليه وسلم - حين عرفه، وجعل النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول:" من يشتري العبد؟ "، فقال:" يا رسول الله إذًا والله تجدني كاسدًا "(٣)، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: " لكن عند الله لست بكاسد " أو قال: " لكن عند الله أنت غالٍ "(٤). وفيه مواساة الفقراء، وعدم الالتفات إلى صور الناس لأن العبرة بالقلوب والأعمال.
وهكذا تَعَلَّم منه الأصحابُ رضي الله عنهم، الذين هم أولوا الألباب: فعن عبد الله بن شقيق قال: (كان رجل من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - عاملًا بمصر، فأتاه رجل من أصحابه، وهو شَعِثُ (٥) الرأس مُشْعان (٦)، قال: ما لى أراك مُشْعَانًا وأنت أمير؟! قال: كان ينهانا عن الِإرفاه، قلنا: ما الِإرفاه؟ قال:" الترجُّل كل يوم ") (٧).
وفي طريق أخرى عن يزيد بن هارون عن الجريري عن عبد الله بن بريدة:
(١) أي أننا نستفيد منه ما يستفيد الرجل من باديته من أنواع النباتات، ونحن حاضرو المدينة وُنِعدُّ له ما يحتاج إليه في باديته من البلد. (٢) الدميم: قبيح الوجه. (٣) كاسدًا: من الكساد، وهو العطل والبوار. (٤) أخرجه الِإمام أحمد (٣/ ١٦١)، والبغوي (١٣/ ١٨١)، والترمذي في " الشمائل " (٢٣٩) وغيرهما، وصححه الحافظ في " الِإصابة " (١/ ٥٤٢). (٥) أي: متفرِّق الشعر. (٦) هو منتفش الشعر، ثائر الرأس. (٧) رواه النسائي، وصححه الألباني في " الصحيحة " (٥٠٣).