وكان الفرزدق كثير الافتخار بيوم صوءر، وهو يوم نحر فيه أبوه غالب للناس مائة بعير وقيل أربعمائة، فجلّل له جرير هذه المكرمة بعار الجبن، فأبوه وهو إنما يضربان، بمثل هذا السيف الذى نبا فى يده، عراقيب الإبل لا صدور الفرسان. ويقول له إنك قين لا تحسن الضرب بالسيف، بل تفزع وتهلع حين تمسك به، إنما تحسن الإمساك بالفئوس فهى صناعتك.
وواضح أن جريرا لم يقف بنبوّ السيف فى يد الفرزدق ووصفه بأنه قين ابن قين عند حد الثّلب، بل لقد تحول بهما إلى عنصرين من عناصر الإضحاك على الفرزدق. واستخرج من الوصف الأخير أبياتا مضحكة كثيرة تدل أبلغ الدلالة على ما أصاب العقل العربىّ عند جرير من قدرة على التوليد فى المعانى، كما نرى فى مثل قوله:
إذا آباؤنا وأبوك عدّوا ... أبان المقرفات من العراب (٤)
(١) ابن ظالم: هو الحارث بن ظالم المرى أحد فرسان قيس فى الجاهلية. (٢) الناب: الناقة المسنة. البيض: خوذ المحاربين. الغماغم: أصوات الجيوش، جمع غمغمة. (٣) أخرات: جمع خرت وهو الثقب فى أعلى الفأس. الكرازم: الفئوس ضخمة الرءوس. (٤) المقرفات: الهجينات التى لا يخلص نسبها. العراب: الأصيلات فى العروبة. (٥) العلاة: سندان الحداد.