وهو فى غزلها يستشعر الإسلام خائفا وجلا من يوم الحساب. ونراه يعتذر مما قد بدر منه من أشعار تصوّره فاسقا، ويدعوها لغوا من القول، وإنه ليقول:
ولست بمأخوذ بلغو تقوله ... إذا لم تعمّد عاقدات العزائم
وهو يشير بذلك إلى قوله تعالى: {(لا يُؤاخِذُكُمُ اللهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ وَلكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما عَقَّدْتُمُ الْأَيْمانَ)} ويمضى فيمدح سليمان بن عبد الملك بمثل قوله:
وكان الحجاج لجّ فى البيعة لعبد العزيز بن الوليد من دون سليمان، وتوفّى قبل خلافته، فنكّل بمن لجّوا معه من ولاته على المشرق. ونرى الفرزدق يهجو الحجاج هجاء مرّا صوّره فيه طاغيا باغيا، لقى جزاء بغيه وطغيانه من ربه، فأصابه بما أصاب به ابن نوح حين ارتقى إلى جبل فغرق مع الغارقين وما أصاب به أصحاب الفيل إذ ترميهم طير أبابيل. ولم يزل به حتى جعله من أهل النار.
وممن يتلقون كتابهم بالشمال. وخرج الفرزدق من ذلك إلى قتيبة بن مسلم الباهلى وثورته على سليمان بخراسان، وافتخر بأن تميما بزعامة وكيع بن أبى سود هى التى قضت عليه، ومضى يكيل لقيس وشاعرها جرير هجاء مريرا، متعرضا لثورة ابن خازم وقضاء تميم عليه ولأيام تغلب على قيس فى الجزيرة. ويتجسّم له جرير كأنه قيس نفسها فيقول:
(١) البو: جلد ولد الناقة يحشى، ويعرض على أمه فترأمه أى تحن إليه ظنا منها أنه ولدها حقيقة. (٢) المغبرات القواتم: السنوات المجدبة.