ويشيد به ابن بسام وغير ابن بسام إشادة رائعة، وأهم موضوع استنفد أكثر شعره واشتهر به وصف الطبيعة حتى سماه الأندلسيون الجنّان نسبة إلى جنان الأندلس وتصويره لها تصاوير بديعة، وعلّل هو نفسه لهذه النزعة فى ص ٢٩٠ بديوانه قائلا:
«إكثاره فى شعره من وصف زهرة ونعت شجرة وجرية ماء ورنة طائر ما هو إلا [إما] لأنه كان جانحا إلى هذه الموصوفات لطبيعة فطر عليها وجبلّة، وإما لأن الجزيرة كانت داره ومنشأه وقراره، وحسبك من ماء سائح، وطير صادح، وبطاح عريضة وأرض أريضة، (١) فلم يعدم هنالك من ذلك ما يبعث مع الساعات أنسه، ويحرّك إلى القول نفسه، حتى غلب عليه حب ذلك الأمر، فصار قوله فيه عن كلف (٢) لا تكلف، مع اقتناع، قام مقام اتساع، فأغناه عن تبذل وانتجاع». ومن قوله فى وصف روض صباحا:
وكمامة حدر الصباح قناعها ... عن صفحة تندى من الأزهار (٣)
وحللت حيث الماء صفحة ضاحك ... والطّلّ ينضح أوجه الأشجار
متقسّم الألحاظ بين محاسن ... من ردف رابية وخصر قرار (٥)
والصور تتراكم فى القطعة، فالصباح يكشف قناع الظلام عن الأكمام فتبدو أزهارها النّديّة وثغور الأقاح ترضع من أخلاف الغمام الدارّ والماء يضحك والطل يرش أوجه الأشجار، وألحاظه موزعة بين النظر إلى ردف جميل بأزهاره لرابية وخصر بديع برياحينه لقرار. ويقول فى وصف عشية:
وعشىّ أنس أضجعتنى نشوة ... فيه يمهّد مضجعى ويدمّث (٦)
خلعت علىّ به الأراكة ظلّها ... والغصن يصغى والحمام يحدّث