صاحبه حتى نلتقى بالحسن (١) بن أسد الفارقى المتوفى سنة ٤٨٧ وكان يكثر من التجنيس، كما لاحظ العماد الأصبهانى وياقوت، وله قصيدة تجمع خمسة عشر بيتا، وكل بيت فيها مختوم بكلمة «عين» طلبا للجناس الكامل، فهى تتوالى بمعنى عين الإنسان وبمعنى رقيب وبمعنى عين الماء إلى غير ذلك من معانيها. وهو تكلف شديد.
ونظن ظنا أنه أحد من أشاعوا فكرة تكوّن الجناس بين كلمة وكلمتين يؤديانها لفظا فى مثل قوله:
تراك يا متلف جسمى ويا ... مكثر إعلالى وأمراضى
من بعد ما أضنيتنى ساخطا ... علىّ فى حبك أم راضى
وواضح أن كلمتى «أم راضى» فى البيت الثانى تقابلان أو تجانسان كلمة «أمراضى» فى البيت الأول. ويلاحظ أن مثل هذه الجناسات فى نهايات الأبيات لم تكن تحقق فكرة الجناس فحسب، بل كانت تحقق أيضا فكرة لزوم ما لا يلزم فى القوافى إذ تصبح القافية أكثر من حرف أو روى، ولذلك يقول العماد إنه كان يلتزم ما لا يلزم فى قوافيه. وفى الحق أن أبا العلاء هو الذى فتح فى لزومياته لمثل هذه الكلف فى الجناس على نحو ما يوضح ذلك كتابنا «الفن ومذاهبه فى الشعر العربى» وكان يطلبه أحيانا بين أول كلمة أو كلمتين فى البيت وآخر كلمة، مما جعل الحريرى يستلهم صنيعه فى المقامة الحلبية قائلا:
سم سمة تحسن آثارها ... واشكر لمن أعطى ولو سمسمه
والمكر مهما اسطعت لا تأته ... لتقتنى السّؤدد والمكرمه
والجناس واضح بين أول البيتين وآخرهما وهو فى البيت الثانى جانس بين اللفظة الأولى وجزء من تاليتها وبين اللفظة الأخيرة. وكل ذلك تصعيب وتعقيد فى التماس الجناس. ويخلف الحريرى يحيى بن سلامة الحصكفى نزيل ميّافارقين المتوفى سنة ٥٥٣ فنراه ينظم بعض قصائد قاصدا بها إلى التجنيس منها قصيدة بناها على التجنيس الناقص افتتحها بقوله (٢):