ذلك لا يمنع فناءها؛ لأنه وعيد، وإخلاف الوعيد من الحسن لا من القبيح. وأنّ الله تعالى ذكر أنه لا يخلف وعده، ولم يذكر أنه لا يخلف وعيده. وأنّ الشاعر قال:
وإني إذا أوعدته أو وعدته
لمخلف إيعادي ومنجز موعدي"١.
وقد ردّ -رحمه الله- على هذه الشبه بقوله: "فالظاهر عدم صحته لأمرين: الأول: أنه يلزم جواز ألا يدخل النار كافر؛ لأن الخبر بذلك وعيد، وإخلافه على هذا القول لابأس به. الثاني: أنه تعالى صرح بحق وعيده على من كذب رسله، حيث قال:{كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ وَعِيدِ} ٢. وقد تقرر في مسلك النص من مسالك العلة أنّ الفاء من حروف التعليل؛ كقولهم: سها فسجد؛ أي سجد لعلة سهوه. وسرق فقطعت يده؛ أي لعلة سرقته. فقوله:{كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ وَعِيدِ} ٣؛ أي وجب وقوع الوعيد عليهم لعلة تكذيب الرسل. ونظيرها قوله تعالى:{إِنْ كُلٌّ إِلاّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ عِقَابِ} ٤. ومن الأدلة الصريحة في ذلك: تصريحه تعالى بأنّ قوله لا يبدل فيما أوعد به أهل النار؛ حيث قال:{قَالَ لا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِمَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلاّمٍ لِلْعَبِيدِ} ٥. ويستأنس لذلك بظاهر قوله:{وَاخْشَوْا يَوْماً لا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ} –إلى قوله- {إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ} ٦، وقوله:{إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ} ٧.
١ دفع إيهام الاضطراب ١٠/١٢٦. وانظر معارج الصعود ص٢٥٥. ٢ سورة ق، الآية [١٤] . ٣ سورة ق، الآية [١٤] . ٤ سورة ص، الآية [١٤] . ٥ سورة ق، الآيتان [٢٨-٢٩] . ٦ سورة لقمان، الآية [٣٣] . ٧ سورة الطور، الآية [٧] .