فللحاء الابتداء، وللباء الانتهاء، وهذا شأن المحبة وتعلقها بالمحبوب، فإن ابتداءها منه وانتهاءها إليه.
وقالوا في فعلها: حَبْهُ وأحَبَّهُ.
ثم اقتصروا على اسم الفاعل من "أحب" فقالوا: "مُحِبٌّ" ولم يقولوا "حاب". واقتصروا على اسم المفعول من "حب" فقالوا: "محبوب" ولم يقولوا "مُحَب" إلا قليلا كما قال الشاعر:
ولقد نزلت فلا تظني غيره … مني بمنزلة المُحَب المكرم (١)
وأعطوا "الحب" حركة الضم التي هي أشد الحركات وأقواها، مطابقة لشدة حركة مسماه وقوتها.
وأعطوا "الحِب" وهو المحبوب: حركة الكسر لخفتها عن الضمة وخفة المحبوب، وخفة ذكره على قلوبهم وألسنتهم …
فتأمل هذا اللطف والمطابقة والمناسبة العجيبة بين الألفاظ والمعاني تطلعك على قدر هذه اللغة، وأن لها شأنا ليس لسائر اللغات (٢).
[ب - الحد الاصطلاحي للمحبة]
قال ابن حجر (٣): "وحقيقة المحبة عند أهل المعرفة من المعلومات التي لا تحد، وإنما يعرفها من قامت به وجدانا ولا يمكن التعبير عنها"(٤).
(١) البيت لعنترة بن شداد. (٢) مدارج السالكين (٣/ ٩ - ١١). (٣) أحمد بن علي بن حجر العسقلاني - صاحب كتاب فتح الباري - من أئمة العلم والتاريخ، ولد بالقاهرة سنة (٧٧٣ هـ)، وتوفي بها سنة (٨٥٢ هـ)، وله مؤلفات كثيرة. الأعلام (١/ ١٧٨). (٤) فتح الباري (١٠/ ٤٦٣).