وهذا التحريف لدين المسيح الحق الذي أحدثه بولس، اعترف به بعض علماء النصارى قديماً وحديثاً، يقول جورجيا هاركنس من علمائهم:((وهذا التثليث افترضه بولس في نهاية رسالته الثانية إلى كورنثوس، حيث يعطي الكنيسة بركته بقوله: ((نعمة ربنا يسوع المسيح، ومحبة الله، وشركة الروح القدس مع جميعكم، آمين)) (٢٠٤) ، وتستعمل هذه الكلمات كبركة في ختام خدمات العبادة لقرون عديدة)) (٢٠٥) .
وهذا الباب الذي فتحه بولس على النصرانية، ظل كما يقول الدكتور أحمد شلبي:((مفتوحاً، واستطاع بعض أتباع بولس أن يصيروا من آباء الكنيسة وذوي الرأي فيها، وتم امتزاج تقريباً بين آراء مدرسة الإسكندرية وبين المسيحية الجديدة)) ، ثم ذكر الدكتور شلبي قول (ليون جوتيه) : ((إن المسيحية تشربت كثيراً من الآراء والأفكار الفلسفية اليونانية، فاللاهوت المسيحي مقتبس من المعين الذي صبت فيه الإفلاطونية الحديثة، ولذا نجد بينهما مشابهات كثيرة)) ... )) (٢٠٦) .
وهكذا فإن بولس سواء قال بألوهية المسيح وألوهية الروح القدس أولم يقل، وسواء قال بالتثليث أولم يقل، فإن أقواله تلك حملت النصارى من بعده على القول بالتثليث، وأصبحت كلماته التي جاء بها في رسائله كتاباً مقدساً، له ماللإنجيل من حرمة واحترام، فتناولها الشراح والدارسون من رجال الدين بكل مايملكون من طاقات البحث والنظر، وخرجوها على كل وجه ممكن أو غير ممكن، فكانت منها تلك الفلسفة اللاهوتية التي شغلت العقل النصراني ولاتزال تشغله، فكانت سبباً من أكبر الأسباب في نقل ديانة المسيح عليه السلام من التوحيد إلى الشرك (٢٠٧) .