٢ أنه على فرض أن بولس يعني بهذه العبارات ألوهية المسيح وألوهية الروح القدس، فإنه يكون قد خالف أقوال المسيح عليه السلام التي تدل على بطلان هذا الزعم الباطل، ويكون قد دعا إلى عقيدة تخالف العقيدة التي دعا إليها المسيح، وشرع خلاف شريعة المسيح، علماً أنه ليس من تلاميذ المسيح ولا من رسله، ولم يشاهد المسيح إطلاقاً، ولا سمعه يبشر بدعوته، بل كان من أشد اليهود عداء للمسيح وأتباعه، فقد كان يسافر من القدس إلى دمشق ليأتي بالنصارى لعقابهم وإنزال الأذى بهم (١٩٨) ، ثم بعد زعمه الانضواء تحت ظل النصرانية، ظل موضع شك تلاميذ المسيح في صدق دعواه؛ لأنهم رأوا منه مايخالف دين المسيح عليه السلام فقد اختلف بولس مع برنابا أحد تلاميذ المسيح (١٩٩) ، كما أن بطرس رئيس الحواريين أنكر على بولس دعوته التي خالف بها دعوة المسيح (٢٠٠) ، كما قامت ضده طوائف النصارى في آسيا، ورفضت تعاليمه وإنجيله كما اعترف بذلك في رسالته الثانية إلى تيموثاوس (٢٠١) ، وحين يئس من قبول نصارى الشرق في عصره لتعاليمه الغريبة، فقد التجأ إلى الشعوب الأوربية، وصار يبث بينهم تعاليمه شيئا
فشيئا، حتى تمكن منهم، فأباح لهم كافة المحرمات، ورفع عنهم جميع التكاليف من الشريعة الموسوية التي جاء بها المسيح عليه السلام فوافق مذهبه مشارب الوثنيين في أوربا، فكثر تابعوه ومقلدوه في حياته وبعد مماته، التي خالفوا فيها عقيدة المسيح وأتباعه، كما دل على ذلك رسالته إلى أهل رومية التي أبطل فيها شريعة التوراة (٢٠٢) .
وبهذا يتبين أن بولس هو الذي وضع البذور التي نقل بها النصرانية من التوحيد إلى التثليث، ووافقت فكرة التثليث الجماهير التي كانت قد نفرت من اليهودية لتعصبها، ومن الوثنية لبدائيتها، فوجدت في الدين الجديد ملجأ لها، وبخاصة أنه أصبح غير بعيد عن معارفهم السابقة التي ألفوها وورثوها عن أجدادهم (٢٠٣) .