وهذا النص لا يستشهد به النصارى دليلاً على اعتقادهم ألوهية الروح القدس، ضمن شواهدهم التي يستدلون بها على ألوهية الروح القدس (١٦٢) ؛ لأنه ضد عقيدتهم هذه، ولا أحد من النصارى زعم أن الروح القدس الذي أيد الله به يوحنا، أنه إلهاً بذاته، لأنه كيف يكون إلهًا، ويوحنا نفسه كما في النص يكون عظيماً أمام الله، فلو زعموا أن الروح القدس في هذا النص إلهاً مستقلاً، لانكشف لهم فساد معتقدهم في تأليه الروح القدس.
ب أن ملاك الله جبريل عليه السلام، بشر مريم بميلاد المسيح عليه السلام إذ جاء في الإنجيل:((وفي الشهر السادس أرسل جبرائيل الملاك من الله إلى مدينة من الجليل اسمها ناصرة، إلى عذراء مخطوبة لرجل من بيت داود اسمه يوسف، واسم العذراء مريم ... فقال لها الملاك: لا تخافي يا مريم لأنك قد وجدت نعمة عند الله، وها أنت ستحبلين وتلدين ابناً، وتسمينه يسوع ... فقالت مريم للملاك: كيف يكون هذا وأنا لست أعرف رجلاً، فأجاب
الملاك، وقال لها: الروح القدس يحل عليك)) (١٦٣) ، وفي الإنجيل أيضاً:((أما ولادة يسوع المسيح فكانت هكذا، لما كانت مريم أمه مخطوبة ليوسف قبل أن يجتمعا وجدت حبلى من الروح القدس، فيوسف رجلها إذ كان باراً ولم يشأ أن يشهرها أراد تخليتها سراً، ولكن فيما هو متفكر في هذه الأمور إذا ملاك الرب قد ظهر له في حلم قائلاً يا يوسف ابن داود لا تخف أن تأخذ امرأتك لأن الذي حبل به فيها هو من الروح القدس فستلد ابناً وتدعو اسمه يسوع)) (١٦٤) .
والمراد من الروح القدس الذي حل على مريم في هذين النصين، أحد أمرين: إما أن يكون المراد به جبريل عليه السلام، وهذا يتفق مع ما ذكره الله عز وجل عن مريم في قوله:((فاتخذت من دونهم حجاباً فأرسلنا إليها روحنا فتمثل لها بشراً سوياً)) (١٦٥) ، والروح كما قال المفسرون: هو جبريل عليه السلام (١٦٦) .