البصريين أنه بدل، ومذهب الكوفيين أنه توكيد. قال المصنف: وقولهم عندي أصح؛ لأن نسبة المنصوب المنفصل من المنصوب المتصل كنسبة المرفوع المنفصل من المرفوع المتصل في نحو:"فعلت أنت" والمرفوع تأكيد بإجماع.
خاتمة: في مسائل منثورة: الأولى: لا يُحذف المؤكَّد ويقام المؤكِّد مقامه، على الأصح، وأجاز الخليل، نحو:"مررت بزيد، وأتاني أخوه أنفسُهما" وقدره: هما صاحباي أنفسهما.
الثانية: لا يُفصل بين المؤكَّد والمؤكِّد بـ"إما"، على الأصح، وأجاز الفراء:"مررت بالقوم إما أجمعين وإما بعضهم".
الثالثة: لا يلي العامل شيء من ألفاظ التوكيد، وهو على حاله في التوكيد، إلا "جميعًا" و"عامة" مطلقًا، فتقول:"القوم قام جميعُهم وعامتُهم"، و"رأيت جميعَهم وعامتَهم"، و"مررت بجميعِهم وعامتِهم"، وإلا "كُلًّا"، و"كِلَا"، و"كِلْتَا": مع الابتداء بكثرة، ومع غيره بقلة، فالأول، نحو:"القوم كلُّهم قائم"، و"الرجلان كلاهما قائم"، و"المرأتان كلتاهما قائمة"، والثاني كقوله "من الطويل":
٨١٦-
يميد إذا والت عليه دلاؤهم ... فيصدر عنه كلها وهو ناهل
٨١٦- التخريج: البيت لكثير عزة في ديوانه ص٥٠٦؛ وشرح عمدة الحافظ ص٥٧٥؛ وبلا نسبة في الدرر ٥/ ١٣٢؛ وشرح شواهد المغني ٢/ ٥١٢؛ وهمع الهوامع ٢/ ٧٣. اللغة: يميد: يضطرب ويتحرك. الدلاء: جمع دلو وهو الوعاء الذي كانوا يستخرجون به الماء من الآبار. يصدر: يبتعد عن الماء. ناهل: عطشان وريان "من الأضداد". المعنى: يصف ماء بئر بأنها تتحرك عندما تتحرك الدلاء نزولًا وصعودًا، ويملؤها جميعها فكأنها ريانة منه. الإعراب: يميد: فعل مضارع مرفوع بالضمة، و"الفاعل": ضمير مستتر تقديره "هو". إذ: ظرف زمان في محل نصب مفعول فيه متعلق بالفعل "يميد". مادت: فعل ماض مبني على الفتح، و"التاء": للتأنيث. عليه: جار ومجرور متعلقان بـ"مادت". دلاؤهم: فاعل مرفوع بالضمة، و"هم": ضمير متصل في محل جر بالإضافة. فيصدر: "الفاء": للعطف، "يصدر": فعل مضارع مرفوع بالضمة. عنه: جار ومجرو متعلقان بـ"يصدر". كلها: "كل": فاعل "يصدر" مرفوع بالضمة، و"ها": ضمير متصل في محل جر مضاف إليه. وهو: "الواو": حالية، "هو": ضمير منفصل في محل رفع مبتدأ. ناهل: خبر مرفوع بالضمة. وجملة "يميد": صفة لماء البئر المذكور قبلًا. وجملة "مادت": في محل جر بالإضافة. وجملة "فيصدر": معطوفة على جملة "يميد". وجملة "وهو ناهل": في محل نصب حال. والشاهد فيه قوله: "فيصدر كلها" حيث جاءت "كل" المضافة إلى ضمير، والتي أصلها أن تستعمل كتوكيد لما قبلها، جاءت في غير توكيد، بل جاءت فاعلًا، وهذا الاستعمال قليل.