للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال ابن جرير: وكذلك قوله : «اتّخذوا الغنم، فإنّها بركة» (١)، فيه دلالة على فساد قول من زعم من المتصوّفة أنّه لا يصحّ لعبد التّوكّل على ربّه إلّا بأن يصبح ولا شيء عنده من عين، ولا عرض، ويمسي كذلك، ألا ترى كيف ادّخر رسول الله لأزواجه قوت سنة (٢).

وقد خرج أقوام من أموالهم الطّيّبة، ثمّ عادوا يتعرّضون للأوساخ، ويطلبون، وهذا لأنّ حاجة الإنسان لا تنقطع، والعاقل يعدّ للمستقبل، وهؤلاء مثلهم في إخراج المال عند بداية تزهّدهم مثل من روى في طريق مكّة، فبدّد الماء الّذي معه.

والحديث بإسناد عن جابر بن عبد الله، قال: قدم أبو حصين السّلميّ بذهب من معدنهم، فقضى دينا كان عليه، وفضل معه مثل بيضة الحمامة، فأتى بها رسول الله ، فقال: يا رسول الله، ضع هذه حيث أراك الله، أو حيث رأيت، قال: فجاءه عن يمينه، فأعرض عنه، ثمّ جاء عن يساره، فأعرض عنه، ثمّ جاءه من بين يديه، فنكس رسول الله رأسه، فلمّا أكثر عليه، أخذها من يديه، فحذفه بها، لو أصابته لعقرته، ثمّ أقبل عليه رسول الله ، فقال: «يعمد أحدكم إلى ماله فيتصدّق به، ثمّ يقعد فيتكفّف النّاس، وإنّما الصّدقة عن ظهر غنى، وابدأ بمن تعول» (٣).

وقد رواه أبو داود في «سننه» من حديث محمود بن لبيد، عن جابر بن عبد الله، قال:

كنّا عند رسول الله ، إذ جاءه رجل بمثل البيضة من ذهب، فقال: يا رسول الله، أصبت هذا من معدن، فخذها، فهي صدقة ما أملك غيرها، فأعرض عنه رسول الله ، ثمّ أتاه من قبل ركنه الأيمن، فقال مثل ذلك، فأعرض عنه، ثمّ أتاه من قبل ركنه الأيسر، فأعرض عنه


(١) أخرجه ابن ماجه (٢٣٠٤)، وصحّحه الألبانيّ في «صحيح الجامع» (٨٢).
(٢) أخرجه البخاري (٥٣٥٧)، ومسلم (١٧٥٧) من حديث عمر .
(٣) أخرجه أبو داود (١٦٧٣)، وضعّفه الألبانيّ في «ضعيف الجامع» (٦٤٠٨).

<<  <   >  >>