فَإِنْ قِيلَ: لَوْ كَانَ كَمَا ذَكَرْتُمُوهُ لَارْتَفَعَ عَنْهُ الضَّمَانُ لِكَوْنِهِ مِنْ جُمْلَةِ الْمُؤَاخَذَاتِ وَالْعُقُوبَاتِ.
قُلْنَا: عَنْهُ جَوَابَانِ: الْأَوَّلُ: أَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الضَّمَانَ مِنْ حَيْثُ هُوَ ضَمَانٌ عُقُوبَةٌ، وَلِهَذَا يَجِبُ فِي مَالِ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ، وَلَيْسَا أَهْلًا لِلْعُقُوبَةِ، وَكَذَلِكَ يَجِبُ عَلَى الْمُضْطَرِّ فِي الْمَخْمَصَةِ إِذَا أَكَلَ مَالَ غَيْرِهِ، مَعَ أَنَّ الْأَكْلَ وَاجِبٌ عَلَيْهِ حِفْظًا لِنَفْسِهِ، وَالْوَاجِبُ لَا عُقُوبَةَ عَلَى فِعْلِهِ، وَكَذَلِكَ يَجِبُ الضَّمَانُ عَلَى مَنْ رَمَى إِلَى صَفِّ الْكُفَّارِ فَأَصَابَ مُسْلِمًا، مَعَ أَنَّهُ مَأْمُورٌ بِالرَّمْيِ، وَهُوَ مُثَابٌ عَلَيْهِ.
الثَّانِي: وَإِنْ سَلَّمْنَا أَنَّهُ عِقَابٌ، لَكِنَّ غَايَتَهُ لُزُومُ تَخْصِيصِ عُمُومِ اللَّفْظِ الدَّالِّ عَلَى نَفْيِ كُلِّ عِقَابٍ، وَذَلِكَ أَسْهَلُ مِنَ الْقَوْلِ بِالْإِجْمَالِ.
[الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا صَلَاةَ إِلَّا بِطَهُورٍ]
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ
اخْتَلَفُوا فِي قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «لَا صَلَاةَ إِلَّا بِطَهُورٍ» " (١) ، " «وَلَا صَلَاةَ إِلَّا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ» " (٢) ، " «وَلَا صِيَامَ لِمَنْ لَمْ يُبَيِّتِ الصِّيَامَ مِنَ اللَّيْلِ» " (٣) ، " «وَلَا نِكَاحَ إِلَّا بِوَلِيٍّ وَشَاهِدَيْ عَدْلٍ» " (٤) وَنَحْوُهُ.
(١) رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ بِلَفْظِ (لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَا طَهُورَ لَهُ) وَفِي مَعْنَاهُ مَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ بِلَفْظِ (لَا يَقْبَلُ صَلَاةً بِغَيْرِ طَهُورٍ) .(٢) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ بِلَفْظِ (لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ فِيهَا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ) .(٣) رَوَاهُ الْخَمْسَةُ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ عُمَرَ عَنْ حَفْصَةَ بِلَفْظِ (مَنْ لَمْ يَجْمَعِ الصِّيَامَ قَبْلَ الْفَجْرِ فَلَا صِيَامَ لَهُ) وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي وَقْفِهِ وَرَفْعِهِ: فَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: لَا يَصِحُّ رَفْعُهُ. وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: الْمَوْقُوفُ أَصَحُّ، وَنُقِلَ فِي الْعِلَلِ عَنِ الْبُخَارِيِّ أَنَّهُ قَالَ: هُوَ خَطَأٌ، وَهُوَ حَدِيثٌ فِيهِ اضْطِرَابٌ، وَالصَّحِيحُ عَنِ ابْنِ عُمَرَ مَوْقُوفٌ، وَقَالَ النَّسَائِيُّ: الصَّوَابُ عِنْدِي أَنَّهُ مَوْقُوفٌ وَلَا يَصِحُّ رَفْعُهُ.(٤) وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ مَرْفُوعًا وَرَجَّحَ التِّرْمِذِيُّ وَقْفَهُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute