قال: فلمّا فرغ من إملاء المعانى خزنه الورّاقون عن الناس ليكسبوا [١] فيه وبه [٢]، وقالوا: لا نخرجه إلى أحد إلّا من أراد أن ينسخه على خمس [٣] أوراق بدرهم، فشكا النّاس إلى الفرّاء، فدعا بالوراقين فقال لهم فى ذلك، فقالوا: إنّما صحبناك لننتفع بك، وكلّ ما صنّفته فليس بالنّاس إليه من الحاجة ما بهم إلى هذا الكتاب؛ فدعنا نعش به؛ قال: فقاربوهم ينتفعوا وتنتفعوا، فأبوا عليه، فقال: سأريكم، وقال للناس: إنى ممل [٤] كتاب معانى، أتمّ شرحا، وأبسط قولا من الذى أمليت، فجلس يملّ، فأملّ الحدّ فى مائة ورقة، فجاء الوراقون اليه وقالوا: نحن نبلغ النّاس ما يجبّون، فنسخوا كلّ عشر أوراق بدرهم [٥].
قال: وكان المأمون قد وكلّ الفرّاء يلقّن ابنيه [٦] النّحو، فلمّا كان يوما أراد الفرّاء أن ينهض إلى بعض حوائجه، فابتدرا إلى نعل الفراء يقدّمانه له، فتنازعا [٧] أيّهما يقدّمه؛ ثم اصطلحا على أن يقدّم كلّ واحد منهما فردا، فقدّماها، وكان المأمون له على كل [شىء [٨]] صاحب خبر؛ فرفع إليه ذلك الخبر، فوجّه إلى
[١] فى الأصل: «ليكتسبوا»، وما أثبته من ب وتاريخ بغداد. [٢] كذا في الأصلين، وفى تاريخ بغداد: «ليكسبوا به». [٣] ب: «فى خمس أورق». [٤] فى الأصل: «أمل»، وما أثبته من ب وتاريخ بغداد. [٥] تاريخ بغداد ١٤: ١٤٥ - ١٥٠. [٦] فى الأصل: «بنيه»، وما أثبته من ب وتاريخ بغداد. [٧] فى الأصل: «فسارعا»، وما أثبته من ب وتاريخ بغداد. [٨] زيارة من ب وتاريخ بغداد.