قال الشاطبي: «وفي الصحيح (١) قوله -صلى الله عليه وسلم-: «فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، تمسكوا بها، وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور»(٢)، فأعطى الحديث - كما ترى - أن ما سنه الخلفاء الراشدون لاحق بسنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، لأن ما سنوه لا يعدو أحد أمرين: إما أن يكون مقصودًا بدليل شرعي، فذلك سنة لا بدعة، وإما بغير دليل، ومعاذ الله من ذلك، ولكن هذا الحديث دليل على إثباته سنة، إذ قد أثبته كذلك صاحب الشريعة -صلى الله عليه وسلم-.
فدليله من الشرع ثابت، فليس ببدعة، ولذلك أردف الأمر باتباعهم بالنهي عن البدع بإطلاق، ولو كان عملهم ذلك بدعة لوقع في الحديث التدافع» (٣).
قال ابن رجب: «ومن ذلك (٤) جمع المصحف في كتاب واحد، توقف فيه زيد بن ثابت وقال لأبي بكر وعمر: كيف تفعلان ما لم يفعله النبي -صلى الله عليه وسلم-؟ ثم علم أنه مصلحة، فوافق على جمعه (٢)، وقد كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يأمر بكتابة الوحي، ولا فرق بين أن يكتب مفرقا أو مجموعا، بل جمعه صار أصلح» (٥).
قال ابن رجب: «ومنها أنه -صلى الله عليه وسلم- أمر باتباع سنة خلفائه الراشدين، وهذا (٦)
(١) يحتمل أنه يريد أن الحديث صحيح ويحتمل أنه يريد أن الحديث في الصحيحين أو أحدهما فإن أراد الاحتمال الثاني فهو وهم - والله أعلم - لأنه ليس فيهما ولا في أحدهما. (٢) سبق تخريجه. (٣) الاعتصام (١/ ٣١٩). (٤) أي اتباع الخلفاء الراشدين. (٥) جامع العلوم والحكم (٢/ ١٢٩). (٦) أي القيام في الليل جماعة.