ما زال السياق في ذكر نعمه١ تعالى على الإنسان لعل هذا الإنسان يذكر فيشكر فقال تعالى:{ولقد خلقنا فوقكم سبع٢ طرائق} أي سموات سماء فوق سماء أي طريقة فوق طريقة وطبقاً فوق طبق وقوله تعالى: {وما كنا عن الخلق غافلين} أي ولم نكن غافلين عن خلقنا وبذلك انتظم الكون والحياة، وإلاّ لخرب كل شيء وفسد وقوله تعالى:{وأنزلنا من السماء ماءً بقدر} هو ماء المطر أي بكميات على قدر الحاجة وقوله {فأسكناه في الأرض٣ وإنا على ذهاب به لقادرون، فأنشأنا لكم به جنات} أي أوجدنا لكم به بساتين من نخيل وأعناب {لكم فيها} أي في تلك البساتين {فواكه٤ كثيرة ومنها تأكلون} أي ومن تلك الفواكه تأكلون وذكر النخيل والعنب دون غيرهما لوجودهما بين العرب فهم يعرفونهما أكثر من غيرهما فالنخيل بالمدينة والعنب بالطائف.
وقوله:{وشجرة٥ تخرج من طور سيناء} أي وأنبت لكم به شجرة الزيتون وهي {تنبت بالدهن٦ وصبغ للآكلين} فبزيتها يدهن ويؤتدم فتصبغ اللقمة به وتؤكل. وقوله:{وإن لكم في الأنعام لعبرة} فتأملوها في خلقها وحياتها ومنافعها تعبرون بها إلى الإيمان والتوحيد والطاعة. وقوله:{نسقيكم٧ مما في بطونها} من ألبان تخرج من بين فرث ودم، وقوله:{ولكم فيها منافع كثيرة} كصوفها ووبرها ولبنها وأكل لحومها. وقوله:{وعليها وعلى الفلك تحملون} وعلى بعضها كالإبل تحملون في البر وعلى السفن في البحر. أفلا تشكرون لله هذه النعم فتذكروه وتشكروه أليست هذه النعم موجبة لشكر المنعم بها فيُعبد ويوحد في عبادته؟.
١ وفي ذكر أدلة التوحيد إذ تقدم الاستدلال على التوحيد بخلق الإنسان وهذا استدلال بخلق العدالة العلوية. ٢ الطرائق: جمع طريقة، وهي اسم للطريق تذكر وتؤنث فهل المراد بها هنا طرق الملائكة أو طرق سير الكواكب وهو سمتها وما تجري فيه أو هي السبع السموات، ومعنى طرائق: أن بعضها فوق بعض من قولهم طارق بين ثوبين جعل أحدهما فوق الثاني، ويكون المعنى طباقا وهذا هو الراجح. والله أعلم. ٣ {أسكناه في الأرض} منه ما هو ظاهر كماء الأودية، والأنهار، ومنه ما هو باطن، وهو المياه الجوفية، وإن الله تعالى على ذهابه من ظاهر الأرض كباطنها قدير، ويومها تهلك البشرية، وهذه الآية كقوله: {قل أرأيتم إن أصبح ماؤكم غوراً فمن يأتيكم بماء معين} . ٤ جمع فاكهة وهي: ما يؤكل تفكّهاً بآكله أي: تلذّذا بطعمه من غير قصد القوت، وما يؤكل لأجل الطعام يقال له: طعام ولا يقال له فاكهة. ٥ وشجرة: معطوفة على جنات أي: وأخرجنا لكم به شجرة. ٦ الباء في {بالدهن} للمصاحبة نحو: خرج زيد بسلامة أي: مصحوباً بسلامة. ٧ قرىء {نسقيكم} بضم النون من أسقاه، وبفتحها من سقاه كذا.