كلما خبت: أي سكن لهبها زدناهم سعيراً أي تلهباً واستعاراً.
وقالوا: أي منكرين للبعث.
مثلهم: أي أناساً مثلهم.
أجلا: وقتاً محدداً.
معنى الآيات:
ما زال السياق في تقرير النبوة المحمدية إذ يقول تعالى لرسوله محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قل لأولئك المنكرين أن يكون الرسول بشرًا، {كفى١ بالله شهيداً بيني وبينكم} على أني رسوله وأنتم منكرون عليَّ ذلك.
إنه تعالى كان وما زال {بعباده خبيراً} أي ذا خبرة تامة بهم {بصيراً} بأحوالهم يعلم المحق منهم من المبطل، والصادق من الكاذب وسيجزي كلاً بعدله ورحمته.
وقوله تعالى:{ومن يهد الله فهو المهتد٢} يخبر تعالى أن الهداية بيده تعالى فمن يهده الله فهو المهتدي بحق، {ومن يضلل فلن تجد لهم٣ أولياء من دونه} أي يهدونهم بحال من الأحوال، وفي هذا الكلام تسلية للرسول وعزاء له في قومه المصرين على الجحود والإنكار لرسالته.
وقوله:{ونحشرهم يوم القيامة} أي أولئك المكذبين الضالين الذين ماتوا على ضلالهم وتكذيبهم فلم يتوبوا نحشرهم يوم القيامة، يمشون على وجوههم٤ حال كونهم عمياً لا يبصرون، بكماً لا ينطقون، صماً٥ لا يسمعون وقوله تعالى:{مأواهم جهنم} أي محل استقرارهم في ذلك اليوم جهنم الموصوفة بأنها {كلما خبت} أي سكن لهبها عنهم زادهم الله سعيراً أي تلهباً
١ روي أن نفراً من قريش قالوا حين سمعوا قوله: {هل كنت إلاّ بشراً رسولاً} فمن يشهد لك أنك رسول الله؟ فنزل: {قل كفى بالله شهيداً بيني وبينكم إنه كان بعباده خبيراً بصيراً} . ٢ حذفت الياء ليوقف على الدّال بالسكون وهي لغة فصيحة وفي حال الوصل يؤتى بالياء نطقا بها. ٣ جمع الضمير (لهم) مراعاة إلى أن (من) تكون للواحد والمتعدد. ٤ أي: يسحبون على وجوههم إهانة لهم كما يفعل في الدنيا بمن ينتقم منه حيث يسحبونه على وجهه في الأرض إهانة، ومن سورة القمر قال تعالى: {يوم يسحبون في النار على وجوههم ذوقوا مسّ سقر} وجائز أن يمشوا على وجوههم عند حشرهم إلى جهنم فإذا دخلوها سحبوا على وجوههم لحديث أنس: "أليس الذي أمشاه على رجليه قادر على أن يمشيه على وجهه؟ " في جواب سائل قال: أفيحشر الكفّار على وجوههم؟ ٥ هذا في حال حشرهم إلى جهنم وكانوا قبل ذلك يسمعون ويبصرون وينطقون ثم إذا دخلوها عادت إليهم حواسهم للآيات القرآنية المصرّحة بذلك منها: {ورأى المجرمون..} ومنها: {سمعوا لها تغيظاً وزفيرا} ومنها: {قالوا يا مالك ليقض علينا ربك..} .