مِنَ الصُّحُفِ شَيْءٌ مَكْتُوبٌ وَالْكِتَابَةُ فِيهَا مَعْنَى الْقَوْلِ دُونَ حُرُوفِهِ فَصَلُحَ «مَا فِي صُحُفِ مُوسَى» لِأَنْ تُفَسِّرَهُ (أَنْ) التَّفْسِيرِيَّةُ. وَقَدْ ذَكَرَ الْقُرْطُبِيُّ عِنْدَ تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعَالَى: هَذَا نَذِيرٌ مِنَ النُّذُرِ الْأُولى [النَّجْم: ٥٦] فِي هَذِهِ السُّورَةِ عَنِ السُّدِّيِّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ قَالَ: هَذِهِ الْحُرُوفُ الَّتِي ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ قَوْلِهِ: أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِما فِي صُحُفِ مُوسى وَإِبْراهِيمَ إِلَى قَوْلِهِ: هَذَا نَذِيرٌ مِنَ النُّذُرِ الْأُولى [النَّجْم: ٥٦] كُلُّ هَذِهِ فِي صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى. وتَزِرُ مُضَارِعُ وَزَرَ، إِذَا فَعَلَ وِزْرًا.
وَتَأْنِيثُ وازِرَةٌ بِتَأْوِيلِ: نَفْسٍ، وَكَذَلِكَ تَأْنِيثُ أُخْرى، وَوُقُوعُ «نَفْسٍ»
وأُخْرى فِي سِيَاقِ النَّفْيِ يُفِيدُ الْعُمُومَ فَيَشْمَلُ نَفْيَ مَا زَعَمَهُ الْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ مِنْ تَحَمُّلِ الرَّجُلِ عَنْهُ عَذَابَ اللَّهِ.
وَهَذَا مِمَّا كَانَ فِي صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ، وَمِنْهُ مَا حَكَى اللَّهُ فِي قَوْلِهِ: وَلا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مالٌ وَلا بَنُونَ إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ [الشُّعَرَاء: ٨٧- ٨٩] .
وَحُكِيَ فِي التَّوْرَاةِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ أَنَّهُ قَالَ فِي شَأْنِ قَوْمِ لُوطٍ: «أَفَتُهْلِكُ الْبَارَّ مَعَ الْآثِمِ» .
وَأَمَّا نَظِيرُهُ فِي صُحُفِ مُوسَى فَفِي التَّوْرَاةِ (١) «لَا يُقْتَلُ الْآبَاءُ عَنِ الْأَوْلَادِ وَلَا يُقْتَلُ الْأَوْلَادُ عَنِ الْآبَاءِ كُلُّ إِنْسَانٍ بِخَطِيئَتِهِ يُقْتَلُ» . وَحَكَى اللَّهُ عَنْ مُوسَى قَوْلَهُ: أَتُهْلِكُنا بِما فَعَلَ السُّفَهاءُ مِنَّا [الْأَعْرَاف: ١٥٥] . وَعُمُومُ لَفْظِ وِزْرَ يَقْتَضِي اطِّرَادَ الْحُكْمِ فِي أُمُورِ الدُّنْيَا وَأُمُورِ الْآخِرَةِ.
وَأَمَّا قَوْلُهُ فِي التَّوْرَاةِ (٢) أَنَّ اللَّهَ قَالَ: «أَفْتَقِدُ الْأَبْنَاءَ بِذِنُوبِ الْآبَاءِ إِلَى الْجِيلِ الثَّالِثِ» فَذَلِكَ فِي تَرْتِيبِ الْمُسَبَّبَاتِ عَلَى الْأَسْبَابِ الدُّنْيَوِيَّةِ وَهُوَ تَحْذِيرٌ.
وَلَيْسَ حَمْلُ الْمُتَسَبِّبِ فِي وِزْرِ غَيْرِهِ حَمْلًا زَائِدًا عَلَى وِزْرِهِ مِنْ قَبِيلِ تَحَمُّلِ وِزْرِ الْغَيْرِ، وَلَكِنَّهُ مِنْ قَبِيلِ زِيَادَةِ الْعِقَابِ لِأَجْلِ تَضْلِيلِ الْغَيْرِ، قَالَ تَعَالَى:
(١) سفر التَّثْنِيَة إصحاح ٢٤.(٢) سفر الْخُرُوج إصحاح ٢٠.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute