تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [الْبَقَرَة: ١٣٢] ، وَاحْتِرَازٌ بِ الْأَوَّلِينَ عَنْ آبَائِهِمُ الَّذِينَ كَانُوا فِي زَمَانِ مُلُوكِهِمْ بَعْدَ سُلَيْمَانَ.
وَجُمِعَ هَذَا الْخَبَرُ تَحْرِيضًا عَلَى إِبْطَالِ عِبَادَةِ «بَعْلٍ» لِأَنَّ فِي الطَّبْعِ مَحَبَّةَ الِاقْتِدَاءِ بِالسَّلَفِ فِي الْخَيْرِ. وَقَدْ جَمَعَ إِلْيَاْسُ مَنْ مَعَهُ مِنْ أَتْبَاعِهِ وَجَعَلَ مَكِيدَةً لِسَدَنَةِ (بَعْلٍ) فَقَتَلَهُمْ عَنْ آخِرِهِمُ انْتِصَارًا لِلدِّينِ وَانْتِقَامًا لِمَنْ قَتَلَتْهُمْ (إِيزَابِلْ) زَوْجَةُ (آخَابْ) .
وَفِي «مَفَاتِيح الْغَيْب» : «كَانَ الْمُلَقَّبَ بِالرَّشِيدِ الْكَاتِبِ (١) يَقُولُ: لَوْ قِيلَ: أَتَدْعُونَ بَعْلًا وَتَدَعُونَ أَحْسَنَ الْخَالِقِينَ، أَوْهَمَ أَنَّهُ أَحْسَنُ» ، أَيْ أَوْهَمَ كَلَامُ الرَّشِيدِ أَنَّهُ لَوْ كَانَتْ كَلِمَةُ (تَدَعُونَ) عِوَضًا عَنْ تَذَرُونَ. وَأَجَابَ الْفَخْرُ بِأَنَّ فَصَاحَةَ الْقُرْآنِ لَيْسَتْ لِأَجْلِ رِعَايَةِ هَذِهِ التَّكَالِيفِ بَلْ لِأَجْلِ قُوَّةِ الْمَعَانِي وَجَزَالَةِ الْأَلْفَاظِ اهـ-. وَهُوَ جَوَابٌ غَيْرُ مُقْنِعٍ إِذْ لَا سَبِيلَ إِلَى إِنْكَارِ حُسْنِ مَوْقِعِ الْمُحَسِّنَاتِ الْبَدِيعِيَّةِ بَعْدَ اسْتِكْمَالِ مُقْتَضَيَاتِ الْبَلَاغَةِ. قَالَ السَّكَّاكِيُّ:
«وَأَصْلُ الْحُسْنِ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ (أَيْ مَا ذُكِرَ مِنَ الْمُحَسِّنَاتِ الْبَدِيعِيَّةِ) أَنْ تَكُونَ الْأَلْفَاظُ تَوَابِعَ لِلْمَعَانِي لَا أَنْ تَكُونَ الْمَعَانِي لَهَا تَوَابِعَ، أَعْنِي أَنْ لَا تَكُونَ مُتَكَلَّفَةً» . فَإِذَا سَلَّمْنَا أَنَّ (تَذَرُونَ) وَ (تَدَعُونَ) مُتَرَادِفَانِ لَمْ يَكُنْ سَبِيلٌ إِلَى إِبْطَالِ أَنَّ إِيثَارَ (تَدَعُونَ) أَنْسَبُ.
فَالْوَجْهُ إِمَّا أَنْ يُجَابَ بِمَا قَالَهُ سَعْدُ اللَّهِ مُحَشِّي الْبَيْضَاوِيِّ بِأَنَّ الْجِنَاسَ مِنَ الْمُحَسِّنَاتِ فَإِنَّمَا يُنَاسِبُ كَلَامًا صَادِرًا فِي مَقَامِ الرِّضَى لَا فِي مَقَامِ الْغَضَبِ وَالتَّهْوِيلِ. يَعْنِي أَنَّ كَلَامَ إِلْيَاسَ الْمَحْكِيَّ هُنَا مَحْكِيٌّ عَنْ مَقَامِ الْغَضَبِ وَالتَّهْوِيلِ فَلَا تُنَاسِبُهُ اللَّطَائِفُ اللَّفْظِيَّةُ (يَعْنِي بِالنَّظَرِ إِلَى حَالِ الْمُخَاطَبِينَ بِهِ لِأَنَّ كَلَامَهُ مَحْكِيٌّ فِي الْعَرَبِيَّةِ بِمَا يُنَاسِبُ مَصْدَرَهُ فِي لُغَةِ قَائِلِهِ وَذَلِكَ مِنْ دَقَائِقِ التَّرْجَمَةِ) ، وَهُوَ جَوَابٌ دَقِيقٌ، وَإِنْ كَابَرَ فِيهِ الْخَفَاجِيُّ بِكَلَامٍ لَا يَلِيقُ، وَإِنْ تَأَمَّلْتَهُ جَزَمْتَ بِاخْتِلَالِهِ. وَقَدْ أُجِيبَ بِمَا يَقْتَضِي مَنْعَ التَّرَادُفِ بَيْنَ فِعْلَيْ تَذَرُونَ وَ «تَدَعُونَ» بِأَنَّ فِعْلَ
(١) لم أَقف على ذكر كَاتب يلقب بالرشيد وأحسب أَنه رَاشد بن إِسْحَاق بن رَاشد أَبَا حليمة الْكَاتِب.كَانَ شَاعِرًا مَاجِنًا. تَرْجمهُ ياقوت وَذكر أَنه اتَّصل بالوزير عبد الْملك بن الزيات وَزِير المعتصم (١٧٣/ ٢٣٣) .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute