ظَهَرَ فِيهِ إِلَى أَمْكِنَةٍ أُخْرَى نَقَلَهُ إِلَيْهَا سَاكِنُوهَا لِلِانْتِفَاعِ بِهِ فَنَجَحَ فِي بَعْضِهَا وَلَمْ يَنْجَحْ فِي بَعْضٍ.
وَقَدْ ثَبَتَ فِي التَّوْرَاةِ أَنَّ شَجَرَةَ الزَّيْتُونِ كَانَتْ مَوْجُودَةً قَبْلَ الطُّوفَانِ وَبَعْدَهُ. فَفِي الْإِصْحَاحِ الثَّامِنِ مِنْ سِفْرِ التَّكْوِينِ: أَنَّ نُوحًا أَرْسَلَ حَمَامَةً تَبْحَثُ عَنْ مَكَانٍ غِيضَتْ عَنْهُ مِيَاهُ الطُّوفَانِ فَرَجَعَتِ الْحَمَامَةُ عِنْدَ الْمَسَاءِ تَحْمِلُ فِي مِنْقَارِهَا وَرَقَةَ زَيْتُونٍ خَضْرَاءَ فَعَلِمَ نُوحٌ أَنَّ الْمَاءَ أَخَذَ يَغِيضُ عَنِ الْأَرْضِ. وَمَعْلُومٌ أَنَّ ابْتِدَاءَ غَيْضِ الْمَاءِ إِنَّمَا يَنْكَشِفُ عَنْ أَعَالِي الْجِبَالِ أَوَّلَ الْأَمْرِ فَلَعَلَّ وَرَقَةَ الزَّيْتُونِ الَّتِي حَمَلَتْهَا الْحَمَامَةُ كَانَتْ مِنْ شَجَرَةٍ فِي طُورِ سَيْنَاءَ.
وَأَيًّا مَا كَانَ فَقَدْ عَرَفَ نُوحٌ وَرَقَةَ الزَّيْتُونِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُمْ كَانُوا يَعْرِفُونَ هَذِه الشَّجَرَة من قَبْلَ الطُّوفَانِ. وَلَكِنْ لَمْ يَرِدْ ذِكْرُ اسْتِعْمَالِ زَيْتِ الزَّيْتُونِ فِي طَعَامٍ فِي التَّارِيخِ الْقَدِيمِ إِلَّا فِي عَهْدِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ أَيَّامَ كَانَ بَنُو إِسْرَائِيلَ حَوْلَ طُورِ سَيْنَاءَ فَقَدِ اسْتُعْمِلَ الزَّيْتُ لِإِنَارَةِ خَيْمَةِ الِاجْتِمَاعِ بِوَحْيِ اللَّهِ لِمُوسَى (١) ، وَسَكَبَ مُوسَى دُهْنَ الْمَسْحَةِ عَلَى رَأْسِ هَارُونَ أَخِيهِ حِينَ أَقَامَهُ كَاهِنًا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ (٢) .
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَى تَخْرُجُ تَظْهَرُ وَتُعْرَفُ، فَيَكُونُ أَوَّلُ اهْتِدَاءِ النَّاسِ إِلَى مَنَافِعِ هَذِهِ الشَّجَرَةِ وَانْتِقَالِهِمْ إِيَّاهَا كَانَ مِنَ الزَّيْتُونِ الَّذِي بِطُورِ سَيْنَاءَ. وَهَذَا كَمَا نُسَمِّي الدِّيكَ الرُّومِيَّ فِي بَلَدِنَا بِالدِّيكِ الْهِنْدِيِّ لِأَنَّ النَّاسَ عَرَفُوهُ مِنْ بِلَادِ الْهِنْدِ، وَكَمَا تُسَمَّى بَعْضُ السُّيُوفِ فِي بِلَادِ الْعَرَبِ بِالْمَشْرَفِيَّةِ لِأَنَّهَا عُرِفَتْ مِنْ مَشَارِفِ الشَّامِ، وَبَعْضُ الرِّمَاحِ الْخَطِّيَّةِ لِأَنَّهَا تَرِدُ إِلَى بِلَادِ الْعَرَبِ مِنْ مَرْفَأٍ يُقَالُ لَهُ: الْخَطُّ، وَبَعْضُ السُّيُوفِ بِالْمُهَنَّدِ لِأَنَّهُ يُجْلَبُ مِنَ الْهِنْدِ، وَقَدْ كَانَ الزَّيْتُ يُجْلَبُ إِلَى بِلَادِ الْعَرَبِ مِنَ الشَّامِ وَمِنْ فِلَسْطِينِ.
(١) الإصحاح/ ٢٥/ من سفر الْخُرُوج. [.....](٢) الإصحاح/ ٩/ من سفر الْخُرُوج.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute