فَأَمَّا (حَتَّى) الِابْتِدَائِيَّةُ فَإِنَّ وُجُودَ مَعْنَى الْغَايَةِ مَعَهَا فِي مَوَاقِعِهَا غَيْرُ مُنْضَبِطٍ وَلَا مُطَّرِدٍ، وَلَمَّا كَانَ مَا بَعْدَهَا كَلَامًا مُسْتَقِلًّا تَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ وُجُودُهَا بَيْنَ الْكَلَامَيْنِ لِمُجَرَّدِ الرَّبْطِ بَيْنَ الْكَلَامَيْنِ فَقَدْ نُقِلَتْ مِنْ مَعْنَى تَنْهِيَةِ مَدْلُولِ مَا قَبْلَهَا بِمَا بَعْدَهَا إِلَى الدَّلَالَةِ عَلَى تَنْهِيَةِ الْمُتَكَلِّمِ غَرَضَ كَلَامِهِ بِمَا يُورِدُهُ بَعْدَ (حَتَّى) وَلَا يَقْصِدُ تَنْهِيَةَ مَدْلُولِ مَا قَبْلَ (حَتَّى) بِمَا عِنْدَ حُصُولِ مَا بَعْدَهَا (الَّذِي هُوَ الْمَعْنَى الْأَصْلُ لِلْغَايَةِ) . وَانْظُرْ إِلَى اسْتِعْمَالِ (حَتَّى) فِي مَوَاقِعَ مِنْ مُعَلَّقَةِ لَبِيدٍ (١) .
وَفِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتى نَصْرُ اللَّهِ [الْبَقَرَة: ٢١٤] فَإِنَّ قَوْلَ الرَّسُولِ لَيْسَ غَايَةً للزلزلة وَلكنه ناشىء عَنْهَا، وَقَدْ مُثِّلَتْ حَالَةُ الْكَافِرِينَ فِي ذَلِكَ الْحِينِ بِأَبْلَغِ تَمْثِيلٍ وَأَشَدِّهِ وَقْعًا فِي نَفْسِ السَّامِعِ، إِذْ جُعِلَتْ مُفَرَّعَةً عَلَى فَتْحِ يَاجُوجَ وَمَاجُوجَ وَاقْتِرَابِ الْوَعْدِ الْحَقِّ لِلْإِشَارَةِ إِلَى سُرْعَةِ حُصُولِ تِلْكَ الْحَالَةِ لَهُمْ ثُمَّ بِتَصْدِيرِ الْجُمْلَةِ بِحَرْفِ الْمُفَاجَأَةِ وَالْمُجَازَاةِ الَّذِي يُفِيدُ الْحُصُولَ دَفْعَةً بِلَا تَدَرُّجٍ وَلَا مُهْلَةٍ، ثُمَّ بِالْإِتْيَانِ بِضَمِيرِ الْقِصَّةِ لِيَحْصُلَ لِلسَّامِعِ عِلْمٌ مُجْمَلٌ يُفَصِّلُهُ مَا يُفَسِّرُ ضَمِيرَ الْقِصَّةِ فَقَالَ تَعَالَى: فَإِذا هِيَ شاخِصَةٌ أَبْصارُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى آخِرِهِ.
وَالشُّخُوصُ: إِحْدَادُ الْبَصَرِ دُونَ تَحَرُّكٍ كَمَا يَقَعُ لِلْمَبْهُوتِ.
وَجُمْلَةُ: يَا وَيْلَنا مَقُولُ قَوْلٍ مَحْذُوفٍ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ، أَيْ يَقُولُونَ حِينَئِذٍ: يَا وَيْلَنَا.
وَدَلَّتْ (فِي) عَلَى تَمَكُّنِ الْغَفْلَةِ مِنْهُمْ حَتَّى كَأَنَّهَا مُحِيطَةٌ بِهِمْ إِحَاطَةَ الظَّرْفِ بِالْمَظْرُوفِ، أَيْ كَانَتْ لَنَا غَفْلَةٌ عَظِيمَةٌ، وَهِيَ غَفْلَةُ الْإِعْرَاضِ عَنْ أَدِلَّةِ الْجَزَاءِ وَالْبَعْثِ.
(١) بَيت: حَتَّى إِذا سلخا جمادي سنة ...وَبَيت: حَتَّى إِذا انحسر الظلام وأسفرت ...ومصراع: ... حَتَّى إِذا سخنت وخف عظامها. [.....]
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute