يَا رَبِّ، وَمَا بَعْثُ النَّارِ (١) ؟ فَيَقُولُ اللَّهُ: مِنْ كُلِّ أَلْفٍ تِسْعُمِائَةٍ وَتِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ. قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَأَيُّنَا ذَلِكَ الْوَاحِدُ (٢) ؟ قَالَ: أَبْشِرُوا، فَإِنَّ مِنْكُمْ رَجُلًا وَمِنْ يَأْجُوجَ وَمَاجُوجَ تِسْعَمِائَةٍ وَتِسْعَةً وَتِسْعِينَ»
. أَوْ يَكُونُ اسْمُ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ اسْتُعْمِلَ مَثَلًا لِلْكَثْرَةِ كَمَا فِي قَوْلِ ذِي الرُّمَّةِ:
لَوْ أَنَّ يَاجُوجَ وَمَاجُوجَ مَعًا ... وَعَادَ عَادٌ وَاسْتَجَاشُوا تُبَّعًا
أَيْ: حَتَّى إِذَا أُخْرِجَتِ الْأَمْوَاتُ كَيَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ عَلَى نَحْوِ قَوْلِهِ تَعَالَى: يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْداثِ كَأَنَّهُمْ جَرادٌ مُنْتَشِرٌ [الْقَمَر: ٧] ، فَيَكُونُ تَشْبِيهًا بَلِيغًا مِنْ تَشْبِيهِ الْمَعْقُولِ بِالْمَعْقُولِ. وَيُؤَيِّدُهُ قِرَاءَةُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَمُجَاهِدٍ، (جَدَثٍ) بِجِيمٍ وَمُثَلَّثَةٍ، أَيْ مِنْ كُلِّ قَبْرٍ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى: وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ [الانفطار: ٤] فَيَكُونُ ضَمِيرَا وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ عَائِدِينَ إِلَى مَفْهُومٍ مِنَ الْمَقَامِ دَلَّتْ عَلَيْهِ قَرِينَةُ الرُّجُوعِ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى:
لَا يَرْجِعُونَ [الْأَنْبِيَاء: ٩٥] أَيْ أَهْلُ كُلِّ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا.
وَالِاقْتِرَابُ، عَلَى هَذَا الْوَجْهِ: الْقُرْبُ الشَّدِيدُ وَهُوَ الْمُشَارَفَةُ، أَيِ اقْتَرَبَ الْوَعْدُ الَّذِي وُعِدَهُ الْمُشْرِكُونَ، وَهُوَ الْعَذَابُ بِأَنْ رَأَوُا النَّارَ وَالْحِسَابَ.
وَعَلَامَةُ التَّأْنِيثِ فِي فِعْلِ فُتِحَتْ لِتَأْوِيلِ يَاجُوجَ وَمَاجُوجَ بِالْأُمَّةِ. ثُمَّ يُقَدَّرُ الْمُضَافُ وَهُوَ سَدٌّ فَيُكْتَسَبُ التَّأْنِيثُ مِنَ الْمُضَافِ إِلَيْهِ.
وَيَاجُوجُ وَمَاجُوجُ هُمْ قَبِيلَتَانِ مِنْ أُمَّةٍ وَاحِدَةٍ مِثْلَ طسم وَجَدِيسَ.
وَإِسْنَادُ فِعْلِ فُتِحَتْ إِلَى يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ بِتَقْدِيرِ مُضَافٍ، أَيْ فُتِحَ رَدْمُهُمَا أَوْ سَدُّهُمَا. وَفِعْلُ الْفَتْحِ قَرِينَةٌ عَلَى الْمَفْعُولِ.
(١) الْبَعْث مصدر بِمَعْنى الْمَفْعُول، أَي: المبعوثين إِلَى النَّار.(٢) أَي الَّذِي بَقِي من الْألف.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute