وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَواهُ بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اللَّهِ [الْقَصَص: ٥٠] أَنَّ بِغَيْرِ هُدىً حَال فمؤكدة لَيْسَتْ تَقْيِيدًا إِذْ لَا يَكُونُ الْهَوَى إِلَّا بِغَيْرِ هُدًى.
وَتَعْرِيفُ الْهَوى تَعْرِيفُ الْجِنْسِ.
وَالتَّعْرِيفُ فِي الْمَأْوى الْأَوَّلِ وَالثَّانِي تَعْرِيفُ الْعَهْدِ، أَيْ مَأْوَى مَنْ طَغَى، وَمَأْوَى مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ، وَهُوَ تَعْرِيفٌ مُغْنٍ عَنْ ذِكْرِ مَا يُضَافُ إِلَيْهِ (مَأْوَى) وَمَثَلُهُ شَائِعٌ فِي الْكَلَامِ كَمَا فِي قَوْلِهِ: غُضَّ الطَّرْفَ (١) ، أَيِ الطَّرْفَ الْمَعْهُودَ مِنَ الْأَمْرِ، أَيْ غُضَّ طَرْفَكَ.
وَقَوْلِهِ: وَامْلَأِ السَّمْعَ، أَيْ سَمْعَكَ (٢) وَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَبَيْنَهُما حِجابٌ وَعَلَى الْأَعْرافِ رِجالٌ [الْأَعْرَافِ: ٤٦] ، أَيْ عَلَى أَعْرَافِ الْحِجَابِ، وَلِذَلِكَ فَتَقْدِيرُ الْكَلَامِ عِنْدَ نُحَاةِ الْبَصْرَةِ الْمَأْوَى لَهُ أَوْ مَأْوَاهُ عِنْدَ نُحَاةِ الْكُوفَةِ، وَيُسَمِّي نُحَاةُ الْكُوفَةِ الْأَلِفَ وَاللَّامَ هَذِهِ عِوَضًا عَنِ الْمُضَافِ إِلَيْهِ وَهِيَ تَسْمِيَةٌ حَسَنَةٌ لِوُضُوحِهَا وَاخْتِصَارِهَا، وَيَأْبَى ذَلِكَ الْبَصْرِيُّونَ، وَهُوَ خِلَافٌ ضَئِيلٌ، إِذِ الْمَعْنَى مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَالْمَأْوَى: اسْمُ مَكَانٍ مِنْ أَوَى، إِذَا رَجَعَ، فَالْمُرَادُ بِهِ: الْمَقَرُّ وَالْمَسْكَنُ لِأَنَّ الْمَرْءَ يَذْهَبُ إِلَى قَضَاءِ شُؤُونِهِ ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَى مَسْكَنِهِ.
ومَقامَ رَبِّهِ مَجَازٌ عَنِ الْجَلَالِ وَالْمَهَابَةِ وَأَصْلُ الْمَقَامِ مَكَانُ الْقِيَامِ فَكَانَ أَصْلُهُ مَكَانَ مَا يُضَافُ هُوَ إِلَيْهِ، ثُمَّ شَاعَ إِطْلَاقُهُ عَلَى نَفْسِ مَا يُضَافُ إِلَيْهِ عَلَى طَرِيقَةِ الْكِنَايَةِ بِتَعْظِيمِ الْمَكَانِ عَنْ تَعْظِيمِ صَاحِبِهِ، مِثْلُ أَلْفَاظِ: جَنَابٍ، وَكَنَفٍ، وَذَرًى، قَالَ تَعَالَى: وَلِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ جَنَّتانِ [الرَّحْمَن: ٤٦] وَقَالَ: ذلِكَ لِمَنْ خافَ مَقامِي [إِبْرَاهِيم: ١٤] وَذَلِكَ مِنْ قَبِيلِ الْكِنَايَةِ الْمَطْلُوبِ بِهَا نِسْبَةٌ إِلَى الْمُكَنَّى عَنْهُ فَإِنَّ خَوْفَ مَقَامِ اللَّهِ مُرَادٌ بِهِ خَوْفُ اللَّهِ وَالْمُرَادُ بِالنِّسْبَةِ مَا يَشْمَلُ التَّعَلُّقَ بِالْمَفْعُولِ.
وَفِي قَوْلِهِ: يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسانُ مَا سَعى إِلَى قَوْلِهِ: فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوى مُحَسِّنُ الْجَمْعِ مَعَ التَّقْسِيمِ.
(١) فِي قَول الفرزدق:فغض الطّرف إِنَّك من نمير ... فَلَا كَعْبًا بلغت وَلَا كلابا(٢) فِي قَول البوصيري:واملأ السّمع من محَاسِن يم ... ليها عَلَيْهَا الإنشاد والإملاء
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute