وتجتثه من الجذور، وإذا سمعوها رأيتهم ينظرون إليك نظر المغشي عليه، ذلك أن شفاعة الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - في الأعمى مفهومة، ولكن شفاعة الأعمى في الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - كيف تكون؟ لا جواب لذلك عندهم البتة (١).
ثانيًا: نقل المفتي مرتين في فقرتين متتاليتين (ص٨٢، ص٨٣)، عن موطأ مالك (١/ ٢٣١) أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - عندما انتقل إلى جوار ربه قَالَ نَاسٌ:«يُدْفَنُ عِنْدَ الْمِنْبَرِ». وَقَالَ آخَرُونَ:«يُدْفَنُ بِالْبَقِيعِ».
ثم استدل بذلك على جواز الدفن في المساجد، حيث قال مرتين في الفقرتين:«ووجه الاستدلال أن أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - اقترحوا أن يُدفن - صلى الله عليه وآله وسلم - عند المنبر، وهو داخل المسجد قطعًا».
وعند الرجوع إلى موطأ مالك تجد أن ما استدل به المفتي رواه الإمام مَالِكٍ بلاغًا بغير إسناد (٢)، والإمام مالك - رحمه الله - وُلد عام ٩٣ هـ أي بعد هذه الحادثة باثنين وثمانين سنة؛ فقد توُفِّيَ النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - في ربيع الأول سنة ١١هـ.
وكان الألْيَق بالمفتي - من باب الأمانة العلمية - أن يذكر أن هذه الرواية لا تصح، وبالتالي لا يجوز له أن يَستدل بها أصلًا، وإن كان قد استدل بها وهو لا يعلم أنها ضعيفة فالأمر أعظم؛ فلا يليق به - وهو الأستاذ الجامعي ومفتي الديار المصرية - أن يستدل بأحاديث لا يعلم مدى صحتها، ويَرُدّ بها أحاديث صحيحة رواها البخاري ومسلم نهى فيها النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - عن اتخاذ القبور مساجد.
ثالثًا: تعليقًا على حديث البخاري: «كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وآله وسلم - يَأْتِي مَسْجِدَ قُبَاءٍ كُلَّ سَبْتٍ، مَاشِيًا وَرَاكِبًا»، وَكَانَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ - رضي الله عنهما - يَفْعَلُهُ» نقل المفتي (ص١١٠) عن
(١) ((انظر: التوسل أنواعه وأحكامه للألباني (ص٧٦ - ٨٢). (٢) أي يقول: «بلغني كذا»، ولا يَذْكُر مَن الذي أخبره بهذا الحديث، فتكون الرواية غير صحيحة لأنها عن مجهول لا يُعْلَمُ حالُه من الصدق والعدالة والضبط.