أعاتكُ لا أنساكِ ما هبت الصبا … وما ناح قمريُّ الحمامِ المطوقُ
أعاتكُ لا أنساكِ ما حجَّ راكبٌ … وما لاح نجمٌ في السماء محلقُ
أعاتكُ قلبي كلَّ يومٍ وليلةٍ … إليك بما تخفي النفوسُ معلقُ
ولولا اتقاء الله في حقِّ والدٍ … وطاعته ما كان منا التفرقُ
فبلغ أبا بكر شعره فأمره فراجعها، وكانت عنده حتى مات شهيداً، أصابه سهم في حصار الطائف فانتقض به جرحه فمات، فقال لعاتكة حين احتضر: لك حديقة من مالي ولا تزوجي. ففعلت ذلك. وقال حين راجعها:
أعاتك قد طلّقت عنى بغصّة … وراجعت للأمر الذي هو كائنُ (١)
كذلك أمر الله غادٍ ورائحٌ … على الناس فيه ألفةٌ وتباينُ
وقد كان قلبي للتفرق طائراً … وقلبي لما قد قرب الله ساكنُ
أعاتكُ إني لا أرى فيك سقطةً … وإنك قد حلت عليك المحاسنُ (٢)
وإنك ممن زين اللهُ أمرهُ … وليس لما قد زين اللهُ شائنُ (٣)
فمات عبد الله وترك سبعة دنانير، فقال أبو بكر: إنا لله، كيف يصبر ابني على سبع كيات (٤). فلما مات عبد الله قالت عاتكة:
فجعتُ بخير النّاس بعد نبيهم … وبعد أبى بكر وما كان قصرا
فآليتُ لا تنفك عيني سخينةً … عليك ولا ينفكُ جلديَ أغبرا
مدى الدهر ما غنت حمامةُ أيكةٍ … وما طردَ الليلُ الصباحَ المنورا
فلله عينا من رأى مثله فتى … أكرَّ وأحمى في الجهاد وأصبرا
إذا شرعت فيه الأسنةُ خاضها … إلى الموت حتّى يترك الرّمح أحمرا
(١) في الأغانى: «في غير ريبة … وروجعت».
(٢) في الأغانى: «سخطة … وإنك قد تمت».
(٣) في الأغانى: «وجهه … وليس لوجه زانه اللّه».
(٤) يعنى بذلك جزاءه على ما اكتنز من الدنانير. (يوم يحمى عليها في نار جهنم فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم، هذا ما كنزتم لأنفسكم).