ولهذا المعنى حبذ القرطبي الوقوف على قوله:{تُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ} ثم الابتداء بقوله: {وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً}(١).
الثاني: أنه ليس ما يمنع أن تعود الضمائر كلها على الله، أي لتؤمنوا بالله وتعزروه أي تنصروه، وتوقروه وتسبحوه، فتعزير الله هو نصره تبارك وتعالى بنصر دينه، وهو كقوله:{إِن تَنصُرُوا اللهَ يَنصُرْكُمْ}(محمد: ٧)، وكقوله - صلى الله عليه وسلم -: «الدين النصيحة، قلنا لمن يا رسول الله، فقال: لله ولرسوله ولكتابه»(٢).
المسألة الثانية: ورود ضمير المفرد في سياق التثنية
قالوا: أتى القرآن بضمير المفرد في حديثه عن المثنى، وذلك في قوله:{والله ورسوله أحق ان يرضوه}(التوبة: ٦٢)، وقالوا مستنكرين: لماذا لم يثنّ الضمير العائد على اثنين (اسم الجلالة ورسوله)؟ فالأولى تثنيتهما، وأن يكون السياق:(أحق أن يرضوهما).
وقد أجاب العلماء عن هذا بأجوبة:
أ- إفراد الضمير ليختص بالحديث عن الله، وليدل بذلك على أن إرضاء الله هو عين إرضاء الرسول، فمن أرضى الله فلا ريب أنه أرضى الرسول - صلى الله عليه وسلم -، ومثله قول الله:{مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللهَ}(النساء: ٨٠)، فأفرد الضمير لتلازم الرضائين.
كما أهمل عود الضمير على الرسول لمعنى آخر: وهو التفريق بين الرضائين (رضا الله ورضا رسوله)، فإرضاء الله مقصود لذاته، بينما إرضاء الرسول تبع لرضا الله، لا يستقل، ولو استقل رضاه عن رضا الله - وحاشاه - لما صح أن يطلب رضاه.
(١) انظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي (١٦/ ٢٦٧). (٢) أخرجه مسلم ح (٥٥).