فلفظة (إنْ) لا تفيد أي تحقق لوقوع الشك من النبي - صلى الله عليه وسلم -، إذ قد يعلق المحال بـ (إنْ)، كما في قوله تعالى:{قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ}(الزخرف: ٨١)، وقوله:{وَإِن كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَن تَبْتَغِيَ نَفَقاً فِي الأَرْضِ أَوْ سُلَّماً فِي السَّمَاء فَتَأْتِيَهُم بِآيَةٍ}(الأنعام: ٣٥).
وقد فسر العلماء مقصود الآية بقولين يكمل أحدهما الآخر:
الأول: أن المقصود بالسؤال هم المؤمنون من أهل الكتاب كعبد الله بن سلام، وهو قول ابن عباس رضي الله عنهما:(الذين أدركوا محمداً - صلى الله عليه وسلم - من أهل الكتاب فآمنوا به .. فاسألهم إن كنت في شك بأنك مكتوب عندهم)(١).
الثاني: أن المقصود في الآية ليس أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بالسؤال، بل الخطاب - في ظاهره - للنبي - صلى الله عليه وسلم -، والمراد به غيرُه من المشركين، على عادة العرب في الخطاب "إياك أعني واسمعي يا جارة"(٢).
ومثله في القرآن كثير، قال تعالى:{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ الله وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ}(الأحزاب: ١)، وقال:{وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ}(الزمر: ٦٥)، وقال:{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاء فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ}(الطلاق: ١).
وهذا الوجه صححه الطبري، واستدل له الرازي بقول الله تعالى في آخر السورة:{يَا أَيُهَا النَّاسُ إِن كُنتُمْ فِي شَكّ مّن دِينِي فلا أَعبُدُ الذِي تَعْبُدونَ مِنْ دُون الله}(يونس: ١٠٤)، وقال: "فبين أن المذكور في أول الآية على سبيل الرمز، هم المذكورون في هذه الآية على سبيل التصريح .. فثبت أن الحق هو أن الخطاب، وإن كان في الظاهر مع الرسول - صلى الله عليه وسلم -؛ إلا أن المراد الأمة، ومثل هذا معتاد، فإن
(١) جامع البيان، الطبري (١٥/ ٢٠٠). (٢) انظر: تأويل مشكل القرآن، ابن قتيبة، ص (٢٧٠).