فَزَعَمَ أَنَّ الْجَنَّةَ وَالنَّارَ يَفْنَيَانِ، وَأَبُو الْهُذَيْلِ الْعَلَّافُ (١) زَعَمَ أَنَّ حَرَكَاتِ [أَهْلِ] (٢) الْجَنَّةِ، وَالنَّارِ تَنْقَطِعُ (٣) ، وَيَبْقَوْنَ فِي سُكُونٍ دَائِمٍ.
وَذَلِكَ أَنَّهُمْ لَمَّا اعْتَقَدُوا أَنَّ التَّسَلْسُلَ فِي الْحَوَادِثِ مُمْتَنِعٌ فِي الْمَاضِي، وَالْمُسْتَقْبَلِ قَالُوا هَذَا الْقَوْلَ الَّذِي ضَلَّلَهُمْ بِهِ أَئِمَّةُ الْإِسْلَامِ.
وَأَمَّا تَسَلْسُلُ الْحَوَادِثِ فِي الْمَاضِي، فَفِيهِ أَيْضًا قَوْلَانِ لِأَهْلِ الْإِسْلَامِ: لِأَهْلِ الْحَدِيثِ وَالْكَلَامِ وَغَيْرِهِمْ.
فَمَنْ يَقُولُ: إِنَّهُ تَعَالَى (٤) لَمْ يَزَلْ مُتَكَلِّمًا إِذَا شَاءَ، وَلَمْ يَزَلْ، فَعَّالًا إِذَا شَاءَ أَفْعَالًا (٥) تَقُومُ بِنَفْسِهِ - بِقُدْرَتِهِ (٦) ، وَمَشِيئَتِهِ - شَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ - يَقُولُ: إِنَّهُ لَمْ يَزَلْ يَتَكَلَّمُ بِمَشِيئَتِهِ، وَيَفْعَلُ بِمَشِيئَتِهِ شَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ مَعَ قَوْلِهِ: إِنَّ كُلَّ مَا سِوَى اللَّهِ مُحْدَثٌ [مَخْلُوقٌ كَائِنٌ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ] (٧) ، وَإِنَّهُ لَيْسَ فِي
(١) أَبُو الْهُذَيْلِ مُحَمَّدُ بْنُ الْهُذَيْلِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَكْحُولٍ الْعَبْدِيُّ الْعَلَّافُ، شَيْخُ الْمُعْتَزِلَةِ الْبَصْرِيِّينَ، وَرَأْسُ الطَّائِفَةِ الْهُذَيْلِيَّةِ، وُلِدَ بِالْبَصْرَةِ سَنَةَ ١٣٥ وَتُوُفِّيَ سَنَةَ ٢٢٦ أَوْ ٢٢٧ أَوْ ٢٣٥ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ. قَالَ الشَّهْرَسْتَانِيُّ (الْمِلَلُ وَالنِّحَلُ ١/٥٤) : إِنَّ مِمَّا انْفَرَدَ بِهِ أَبُو الْهُذَيْلِ عَنْ سَائِرِ الْمُعْتَزِلَةِ قَوْلَهُ: إِنَّ حَرَكَاتِ أَهْلِ الْخُلْدَيْنِ تَنْقَطِعُ وَإِنَّهُمْ يَصِيرُونَ إِلَى سُكُونٍ دَائِمٍ خُمُودًا، وَتَجْتَمِعُ اللَّذَّاتُ فِي ذَلِكَ السُّكُونِ لِأَهْلِ الْجَنَّةِ، وَتَجْتَمِعُ الْآلَامُ فِي ذَلِكَ السُّكُونِ لِأَهْلِ النَّارِ. وَهَذَا قَرِيبٌ مِنْ مَذْهَبِ جَهْمٍ إِذْ حَكَمَ بِفَنَاءِ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ. انْظُرْ تَرْجَمَةَ أَبِي الْهُذَيْلِ وَالْكَلَامَ عَلَى مَذْهَبِهِ فِي: لِسَانِ الْمِيزَانِ ٥/٤١٣ - ٤١٤ ; ابْنِ خِلِّكَانَ ٣/٣٩٦ - ٣٩٧ ; تَارِيخِ بَغْدَادَ ٣/٣٦٦ - ٣٧٠ ; الْمِلَلِ وَالنِّحَلِ ١/٥٣ - ٥٦ ; الْفَرْقِ بَيْنَ الْفِرَقِ ٧٣ - ٧٩ ; الْمَقَالَاتِ ١/٢١٧، ٢٢٤، ٢٢٥ ; عَلِيُّ مُصْطَفَى الْغُرَابِي: أَبُو الْهُذَيْلِ الْعَلَّافُ، الْقَاهِرَةِ، ١٩٤٩.(٢) أَهْلِ: سَاقِطَةٌ مِنْ جَمِيعِ النُّسَخِ وَالصَّوَابُ إِثْبَاتُهَا.(٣) ن، م، أ: يَنْقَطِعَانِ.(٤) أ، ب: إِنَّ اللَّهَ.(٥) أ، ب: وَلَمْ يَزَلْ يَفْعَلُ أَفْعَالًا.(٦) أ، ب: وَقُدْرَتِهِ، وَهُوَ خَطَأٌ.(٧) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute