أعجب ما سمعته عنه ما حدثني به بعض أصحابه: أنه لما كان صبياً في بداية أمره أراد والده أن يخرج بأولاده يوماً إلى البستان على سبيل التنزه، فقال له: يا أحمد تخرج مع إخوتك تستريح!
فاعتلَّ عليه، فألحَّ عليه والده، فامتنع أشد الامتناع.
فقال: أشتهي أن تعفيني من الخروج. فتركه وخرج بإخوته، فظلوا يومهم في البستان، ورجعوا آخر النهار.
فقال: يا أحمد، أوحشت إخوتك اليوم، وتكدر عليهم بسبب غيبتك عنهم، فما هذا؟!
فقال يا سيدي إنني اليوم حفظت هذا الكتاب، لكتاب معه (١).
فقال: حفظته؟! كالمنكر المتعجب من قوله.
فقال له: استعرضه عليَّ، فاستعرضه فإذا به قد حفظه جميعه!!
فأخذه وقبّله بين عينيه، وقال: يا بني، لا تخبر أحداً بما قد فعلت، خوفاً عليه من العين، أو كما قال» (٢).
وقال الصفدي -رحمه الله- حاكياً همة شيخ الإسلام في جرد الكتب وقراءتها:«قلت: حكى لي من سمعه يقول: إني وقفت على مائة وعشرين تفسيراً، أستحضر من الجميع الصحيح الذي فيها، أو كما قال»(٣). وقال تلميذ شيخ الإسلام أبو عبد الله ابن رشيق -رحمه الله- (٤): «وقال لي مرة: ربما طالعت على الآية الواحدة
(١) الكتاب هو: (جنة الناظر وجنّة المناظر) كما ذكر ذلك الصفدي رحمه الله انظر: أعيان العصر للصفدي (١/ ٢٣٦). (٢) الرد الوافر (ص: ١٣٣)، وانظر: أعيان العصر للصفدي (١/ ٢٣٦). (٣) الوافي بالوفيات ضمن الجامع لسيرته (ص: ٣٦٨) (٤) هو محمد بن عبد الله بن سبط ابن رشيق المغربي المالكي، أبو عبد الله، الفقيه صاحب شيخ الإسلام ابن تيمية وكاتب مصنفاته، وأعرف الناس بخط الشيخ حتى من الشيخ نفسه (ت: ٧٤٩ هـ). انظر: البداية والنهاية (١٤/ ٢٦٤) العقود الدرية (ص:٤٣).