للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

من اعتقد ذلك نجا في هذا الاعتقاد، ومن اعتقد ضده فقد يكون ناجياً، وقد لا يكون ناجياً، كما يقال: (من صمت نجا) (١)، [وكنت أبين لهم أن ما نقُل لهم عن السلف والأئمة من إطلاق القول بتكفير من يقول كذا وكذا فهو أيضا حق، لكن يجب التفريق بين الإطلاق والتعيين. وهذه أول مسألة تنازعت فيها الأمة من مسائل الأصول الكبار، وهي مسألة: (الوعيد)؛ فإن نصوص القرآن في الوعيد مطلقة كقوله: {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا} [النساء:١٠] الآية، وكذلك سائر ما ورد من فعل كذا فله كذا، فإن هذه مطلقة عامة، وهي بمنزلة قول من قال من السلف من قال كذا: فهو كذا، ثم الشخص المعين يلتغي حكم الوعيد فيه: بتوبة أو حسنات ماحية، أو مصائب مكفرة، أو شفاعة مقبولة. والتكفير هو من الوعيد؛ فإنه وإن كان القول تكذيباً لما قاله الرسول، لكن قد يكون الرجل حديث عهد بإسلام أو نشأ ببادية بعيدة. ومثل هذا لا يكفر بجحد ما يجحده حتى تقوم عليه الحجة. وقد يكون الرجل لا يسمع تلك النصوص أو سمعها ولم تثبت عنده أو عارضها عنده معارض آخر أوجب تأويلها، وإن كان مخطئا، وكنت دائماً أذكر الحديث الذي في الصحيحين في الرجل الذي قال: (إذا أنا مت فأحرقوني ثم اسحقوني، ثم ذروني في اليم فوالله لئن قدر الله علي ليعذبني عذابا ما عذبه أحدا من العالمين، ففعلوا به ذلك فقال الله له: ما حملك على ما فعلت. قال خشيتك: فغفر له) (٢)، فهذا رجل شك في قدرة الله وفي إعادته إذا ذري، بل اعتقد أنه


(١) هذا حديث رواه الترمذي (٢٥٠١)، وأحمد (٢/ ١٥٩)، والدارمي (٢/ ٢٩٩)، وابن المبارك في الزهد من حديث عبدالله بن عمرو -رضي الله عنهما- (٣٨٥)، وقال الترمذي: حديث غريب. وأورده الألباني في الصحيحة (٥٣٦). وقد جرى مجرى المثل فرواه أبو الشيخ الأصبهاني في أمثال الحديث (ص: ٢٤٧)، وذكره الميداني في مجمع الأمثال (٢/ ٤٥٠).
(٢) رواه البخاري كتاب أحاديث الأنبياء، باب حديث الغار (٣٤٧٨)، ومسلم كتاب التوبة (٢٧٥٦)، (٢٧٥٧) من حديث أبي سعيد -رضي الله عنه-، ورواه أيضاً من حديث أنس -رضي الله عنه- (٢٧٤٧).

<<  <   >  >>