فأحيانًا نرى شعراءنا المحافظين يسيرون في نفس الطريق الذي سار فيه الشعراء الأقدمون من حيث بناء القصيدة، وتأليف عناصرها؛ فهم مثلًا يبدءون القصيدة الحديثة بالغزل التقليدي كما بدأ سابقوهم، حتى ولو كان موضوع القصيدة أبعد الموضوعات عن الحب وتهالكه، وعن النساء ووصفهن، ثم يخلصون من ذلك إلى الغرض المقصود، فهذا هو حافظ يقول في مطلع قصيدة يمدح بها البارودي سنة ١٩٠٠:
تعمدت قتلي في الهوى وتعمدا ... فما أثمت عيني ولا لحظة اعتدى
أهم كما همت فأذكر أنني ... فتاك، فيدعوني هواك إلى الهدى
كذلك لم أذكرك والخطب يلتقي ... به الخطب إلا كان ذكرك مسعدًا٣
وهذا هو عبد المطلب ينشد قصيدة في حفل لجمعية المواساة سنة ١٩١٤، فيبدأ القصيدة بقوله:
وعدت يا طيف بالمزار ... أيظفر الجفنُ بالقرار
وهل يطيب الكرى لجفن ... يبيت في ذمة الدراري٤
١ مما قيل عن عمود الشعر قول المرزوق عن الشعراء الذين حققوه في شعرهم: "إنهم كانوا يحاولون شرف المعنى وصحته، وجزالة اللفظ واستقامته، والإصابة في الوصف، ومن اجتماع هذه الأساليب الثلاثة، كثرت سوائر الأمثال، وشوارد الأبيات، والمقارنة في التشبيه، والتحام أجزاء النظم والتآمها، على تخير من لذيذ الوزن، ومناسبة المستعار منه للمستعار له، ومشاكلة اللفظ للمعنى وشدة اقتضائهما القافية، حتى لا منافرة بينهما. فهذه سبعة أبواب هي عمود الشعر، ولكل باب معيار"، انظر: شرح المرزوقي لديوان الحماسة جـ١ ص٩. ٢ ديوان حافظ جـ١ ص٧. ٣ المصدر السابق ص٩-١٠. ٤ ديوان عبد المطلب ص٩٠.