وذكر العلماء رحمهم الله (١) آثارًا عن السلف في التحذير من مجالسة أهل الأهواء لخطورتها على القلوب، ومن ذلك:"قال أبو قلابة رحمه الله: لا تجالسوا أهل الأهواء -أو قال: أصحاب الخصومات-؛ فإني لا آمن أن يغمسوكم في ضلالتهم، ويلبسوا عليكم بعض ما تعرفون.
ودخل رجلان من أصحاب الأهواء على محمد بن سيرين، فقالا: يا أبا بكر، نحدثك بحديث؟ قال: لا، قالا: فنقرأ عليك آية؟ قال: لا، لتقومان عني، أو لأقومنَّهْ، فقاما. فقال بعض القوم: يا أبا بكر، وما عليك أن يقرأ عليك آية؟! … وقال: خشيت أن يقرآ آية فيحرفانها، فيقر ذلك في قلبي.
وقال رجل من أهل البدع لأيوب: يا أبا بكر، أسألك عن كلمة؟ فولى، وهو يقول بيده: لا، ولا نصف كلمة.
وكان الحسن يقول: شر داء خالط قلبًا -يعني: الأهواء-.
وقال حذيفة: اتقوا الله، وخذوا طريق من كان قبلكم، والله لئن استقمتم لقد سبقتم سبقًا بعيدًا، ولئن تركتموه يمينًا وشمالًا لقد ضللتم ضلالًا بعيدًا -أو قال: مبينًا-" (٢).
قال رجل لابن سيرين:"إن فلانًا يريد أن يأتيك، ولا يتكلم بشيء، قال: قل لفلان: لا، ما يأتيني، فإن قلب ابن آدم ضعيف، وإني أخاف أن أسمع منه كلمة، فلا يرجع قلبي إلى ما كان"(٣).
ويروي الآجري بسنده عن مهدي بن ميمون قال:"سمعت محمدًا -يعني ابن سيرين- وماراه (٤) رجل في شيء، فقال محمد: إني أعلم ما تريد، وأنا أعلم بالمراء منك، ولكني لا أماريك"(٥).
وانظر إلى هذا الإمام العظيم من أكابر أهل السنة علماً وعملاً، ومع هذا العلم
(١) ينظر: الشريعة (١/ ٤٣٥ - ٤٤٠)، الإبانة الكبرى (٥/ ٢٥٤٤ - ٢٥٤٦)، شرح أصول اعتقاد أهل السنة (١/ ١٠١، ١٥٠ - ١٥١). (٢) كل هذه الآثار عن السلف ذكرها الذهبي في سير أعلام النبلاء (١١/ ٢٨٥). (٣) الإبانة الكبرى (٢/ ٤٤٦). (٤) أي جادله. (٥) الشريعة للآجري (١/ ٤٥٣).