وضرع مراه فاستدر ولم يكن … به درة تصغي إلى كف حالب
ونطق فصيح من ذراع مبينة … لكيد عدو للعداوة ناصب
وإخباره بالامر من قبل كونه … وعند بواديه بما في العواقب
ومن تلكم الآيات وحي أتى به … قريب المآني مستجم العجائب
تقاصرت الأفكار عنه فلم يطع … بليغا ولم يخطر على قلب خاطب
حوى كل علم واحتوى كل حكمة … وفات مرام المستمر الموارب
أتانا به لا عن روية مرتئ … ولا صحف مستمل ولا وصف كاتب
يواتيه طورا في إجابة سائل … وافتاء مستفت ووعظ مخاطب
واتيان برهان وفرض شرائع … وقص أحاديث ونص مآرب
وتصريف أمثال وتثبيت حجة … وتعريف ذي جحد وتوقيف كاذب
وفي مجمع النادي وفي حومة الوغى … وعند حدوث المعضلات الغرائب
فيأتي على ما شئت من طرقاته … قويم المعاني مستدر الضرائب
يصدق منه البعض بعضا كأنما … يلاحظ معناه بعين المراقب
وعجز الورى عن أن يجيئوا بمثل ما … وصفناه معلوم بطول التجارب
تأبى بعبد الله أكرم والد … تبلج منه عن كريم المناسب (١)
وشيبة ذي الحمد الذي فخرت به … قريش على أهل العلى والمناصب
ومن كان يستسقى الغمام بوجهه … ويصدر عن آرائه في النوائب
وهاشم الباني مشيد افتخاره … بغر المساعي وامتنان المواهب
وعبد مناف وهو علم قومه … اشتطاط الأماني واحتكام الرغائب (٢)
وإن قصيا من كريم غراسه … لفي منهل لم يدن من كف قاضب
به جمع الله القبائل بعدما … تقسمها نهب الأكف السوالب
وحل كلاب من ذرى المجد معقلا … تقاصر عنه كل دان وغائب
ومرة لم يحلل مريرة عزمه … سفاه سفيه أو محوبة حائب
وكعب علا عن طالب المجد كعبه … فنال بأدنى السعي أعلا المراتب
وألوى لؤي بالعداة فطوعت … له همم الشم الأنوف الأغالب
وفي غالب بأس أبى البأس دونهم … يدافع عنهم كل قرن مغالب
وكانت لفهر في قريش خطابة … يعوذ بها عند اشتجار المخاطب
وما زال منهم مالك خير مالك … وأكرم مصحوب وأكرم صاحب
(١) تبلج: أضاء.
(٢) اشتطاط: ابتعاد.