بجائزة. وبختيشوع الذي ذكره هو طبيب الخلفاء. وقال الجاحظ: لا أعرف في كلام الشعراء أرق ولا أحسن من قول أبي نواس حيث يقول:
أية نار قدح القادح … وأي جد بلغ المازح
لله در الشيب من واعظ … وناصح لو خطئ (١) الناصح
يأبى الفتى إلا اتباع الهوى … ومنهج الحق له واضح
فاسم بعينيك إلى نسوة … مهورهن العمل الصالح
لا يجتلي الحوراء (٢) في خدرها … إلا امرؤ ميزانه راجح
من اتقى الله فذاك الذي … سبق إليه المتجر الرابح
فاغد فما في الدين أغلوطة … ورح لما أنت له رائح
وقد استنشده أبو عفان قصيدته التي في أولها: لا تنس ليلى ولا تنظر إلى هند. فلما فرغ منها سجد له أبو عفان، فقال له أبو نواس: والله لا أكلمك مدة. قال: فغمني ذلك، فلما أردت الانصراف قال: متى أراك؟ فقلت: ألم تقسم؟ فقال: الدهر أقصر من أن يكون معه هجر.
ومن مستجاد شعره قوله:
ألا رب وجه في التراب عتيق … ويا رب حسن في التراب رقيق
ويا رب حزم في التراب ونجدة … ويا رب رأي في التراب وثيق
فقل لقريب الدار إنك ظاعن … إلى سفر نائي المحل سحيق
أرى كل حي هالكا وابن هالك … وذا نسب في الهالكين عريق
إذا امتحن الدنيا لبيب تكشفت … له عن عدو في لباس صديق
وقوله:
لا تشرهن فإن الذل في الشره … والعز في الحلم لا في الطيش والسفه
وقل لمغتبط في التيه من حمق … لو كنت تعلم ما في التيه لم تته
التيه مفسدة للدين منقصة … للعقل مهلكة للعرض فانتبه
وجلس أبو العتاهية القاسم بن إسماعيل على دكان وراق فكتب على ظهر دفتر هذه الأبيات:
أيا عجبا كيف يعصى الاله … أم كيف يجحده الجاحد
وفي كل شئ له آية … تدل على أنه الواحد
(١) في البيان والتبيين ٣/ ١٦٥: حظي.
(٢) في البيان والتبيين: الحسناء.