ترى الرجل النحيف فتزدريه … وفي أثوابه أسد زئير
ويعجبك الطرير فتختبره … فيخلف ظنك الرجل الطرير
وما هام الرجال لها بزين … ولكن زينها دين وخير
بغاث الطير أطولها جسوما … ولم تطل البزاة ولا الصقور
وقد عظم البعير بغير لب … فلم يستغن بالعظم البعير
فيركب ثم يضرب بالهراوي … ولا عرف لديه ولا نكير
وعود النبع ينبت مستمرا … وليس يطول والعضباء حور
وقد تكلم أبو الفرج بن طرار على غريب هذه الحكاية وشعرها بكلام طويل، قالوا: ودخل كثير عزة يوما على عبد الملك بن مروان فامتدحه بقصيدته التي يقول فيها: -
على ابن أبي العاصي دروع حصينة … أجاد المسدى سردها وأدالها
قال له عبد الملك: أفلا قلت كما قال الأعشى لقيس بن معد يكرب: -
وإذا تجئ كتيبة ملمومة … شهبا يخشى الذائدون صيالها
كنت المقدم غير لابس جبة … بالسيف يضرب معلما أبطالها
فقال: يا أمير المؤمنين وصفه بالخرق ووصفتك بالحزم. ودخل يوما على عبد الملك وهو يتجهز للخروج إلى مصعب بن الزبير فقال: ويحك يا كثير، ذكرتك الآن بشعرك فإن أصبته أعطيتك حكمك، فقال: يا أمير المؤمنين كأنك لما ودعت عاتكة بنت يزيد بكت لفراقك فبكى لبكائها حشمها فذكرت قولي:
إذا ما أراد الغزو لم تثن عزمه … حصان عليها نظم (١) دريزينها
نهته فلما لم تر النهي عافه … بكت فبكى مما عراها (٢) قطينها
قال: أصبت فاحتكم، قال: مائة ناقة من نوقك المختارة، قال: هي لك، فلما سار عبد الملك إلى العراق نظر يوما إلى كثير عزة وهو مفكر في أمره فقال: علي به، فلما جئ به قال له: أرأيت إن أخبرتك بما كنت تفكر به تعطيني حكمي؟ قال: نعم، قال: والله؟ قال: والله، قال له عبد الملك إنك تقول في نفسك: هذا رجل ليس هو على مذهبي، وهو ذاهب إلى قتال رجل ليس هو على مذهبي، فان أصابني سهم غرب من بينهما خسرت الدنيا والآخرة، فقال: أي والله يا أمير المؤمنين فاحتكم، قال أحتكم حكمي أن أردك إلى أهلك وأحسن جائزتك، فأعطاه مالا
(١) في الأغاني ٩/ ٢١: عقد.
(٢) في الأغاني، وابن خلكان ٤/ ١٠٨: شجاها. والقطين: الخدم والاتباع والحشم