تبوك، وكان أدرك أبا خيثمة عمير بن وهب الجمحي في الطريق، يطلب رسول الله ﷺ فترافقا حتى إذا دنوا من تبوك قال أبو خيثمة لعمير بن وهب: إن لي ذنبا فلا عليك أن تخلف عني حتى آتي رسول الله ﷺ ففعل حتى إذا دنا من رسول الله ﷺ قال الناس هذا راكب على الطريق مقبل، فقال رسول الله ﷺ" كن أبا خيثمة " فقالوا: يا رسول الله هو والله أبو خيثمة. فلما بلغ أقبل فسلم على رسول الله ﷺ فقال له " أولى لك يا أبا خيثمة " ثم أخبر رسول الله الخبر فقال خيرا ودعا له بخير. وقد ذكر عروة بن الزبير وموسى بن عقبة قصة أبي خيثمة بنحو من سياق محمد بن إسحاق وأبسط وذكر أن خروجه ﵇ إلى تبوك كان في زمن الخريف. فالله أعلم. قال ابن هشام وقال أبو خيثمة واسمه مالك بن قيس في ذلك:
لما رأيت الناس في الدين نافقوا … أتيت التي كانت أعف وأكرما
وبايعت باليمنى يدي لمحمد … فلم أكتسب إثما لم أغش محرما
تركت خضيبا في العريش وصرمة … صفايا كراما بسرها قد تحمما (١)
وكنت إذا شك المنافق أسمحت … إلى الدين نفسي شطره حيث يمما
قال يونس بن بكير: عن محمد بن إسحاق، عن بريدة (٢)، عن سفيان، عن محمد بن كعب القرظي، عن عبد الله بن مسعود قال: لما سار رسول الله ﷺ إلى تبوك جعل لا يزال الرجل يتخلف، فيقولون: يا رسول الله تخلف فلان فيقول " دعوه إن يك فيه خير فسيلحقه الله بكم، وإن يك غير ذلك فقد أراحكم الله منه " حتى قيل يا رسول الله تخلف أبو ذر وأبطأ به بعيره فقال " دعوه إن يك فيه خير فسيلحقه الله بكم، وإن يك غير ذلك فقد أراحكم الله منه " فتلوم أبو ذر بعيره فلما أبطأ عليه، أخذ متاعه فجعله على ظهره، ثم خرج يتبع رسول الله ﷺ ماشيا، ونزل رسول الله ﷺ في بعض منازله، ونظر ناظر من المسلمين فقال: يا رسول الله إن هذا الرجل ماش على الطريق، فقال رسول الله ﷺ" كن أبا ذر " فلما تأمله القوم، قالوا: يا رسول الله هو والله أبو ذر، فقال رسول الله ﷺ" يرحم الله أبا ذر يمشي وحده، ويموت وحده ويبعث وحده " قال فضرب [الدهر من](٣) ضربه، وسير أبو ذر إلى الربذة فلما حضره الموت أوصى امرأته وغلامه فقال: إذا مت فاغسلاني وكفناني من الليل ثم ضعاني على قارعة الطريق فأول ركب يمرون بكم فقولوا: هذا أبو ذر، فلما مات فعلوا به كذلك فاطلع ركب فما علموا به حتى كادت ركابهم تطأ سريره، فإذا ابن مسعود في رهط من أهل الكوفة فقال: ما هذا؟ فقيل جنازة أبي ذر، فاستهل ابن مسعود يبكى وقال: صدق رسول الله ﷺ يرحم الله أبا ذر يمشي وحده ويموت وحده ويبعث وحده، فنزل
(١) الخضيب: المرأة المخضوبة. والصرمة: هنا جماعة النخل. الصفايا: كثيرة الثمر. (٢) في رواية البيهقي: بريدة بن سفيان، وفي هامشه: " قال البخاري في التاريخ الكبير: فيه نظر، وضعفه النسائي وأبو داود وأحمد والدارقطني. (٣) بياض بالأصل، والزيادة من رواية البيهقي.