أنه إنما عرَّف الذي يقول فيه:" حسن " فقط، أما ما يقول فيه:" حسن صحيح " أو "حسن غريب"، أو "حسن صحيح غريب"، فلم يعرِّج على [تعريفه، كما لم يعرج على](١) تعريف ما يقول فيه: " صحيح " فقط، أو "غريب" فقط، وكأنه ترك ذلك استغناءً لشهرته عند أهل الفن، واقتصر على تعريف ما يقول فيه في كتابه "حسن" فقط: إما لغُموضه، وإما لأنه اصطلاح جديد؛ ولذلك قيَّده بقوله:"عندنا"، ولم ينسبه إلى أهل الحديث -كما فعل الخطابي (٢) -.
وبهذا التقرير يندفع كثيرٌ (٣) من الإيرادات التي طال البحث فيها ولم يُسفر وجهُ توجيهها، فلله الحمد على ما ألهم وعلَّم " (٤) . انتهى.
قلتُ: وظهر لي توجيهان آخران، أحدهما: أن المراد حسن لذاته صحيح لغيره، والآخر: أن المراد "حسنٌ" باعتبار إسناده، "صحيح" أي: أنه أصح شيء ورد في الباب. فإنه يقال: أصح ما ورد كذا وإن كان حسنًا أو ضعيفًا، والمراد أرجحه أو أقله ضعفًا، ثم إنَّ الترمذي لم ينفرد بهذا المصطلح، بل سبقه إليه شيخه البخاري (٥) ، كما نقله ابن الصلاح في غير مختصره، والزركشي وابن حجر في نكتهما. قال الزركشي: "واعلم أن هذا السؤال يرد بعينه في قول الترمذي: "هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ" لأن من شرط الحسن أن يكون معروفًا من غير وجه، والغريب من انفرد به أحد رواته، وبينهما تنافٍ قال: وجوابه أن الغريب يُطلق
(١) "تعريفه كما لم يعرج على" ساقطة من الأصل، و (ش) ، ومثبتة في (ك) . (٢) الخطابي: حمد بن محمَّد بن خطاب أبو سليمان الخطابي البستي، كان إمامًا في الفقه والحديث واللغة من تصانيفه: " معالم السنن " و"غريب الحديث" (ت: ٣٨٨ هـ) . طبقات الحفاظ ص (٤٠٤) رقم (٩١٥) . (٣) في (ك) : "كثيرًا". (٤) انظر: نزهة النظر بشرح نخبة الفكر في مصطلح حديث أهل الأثر ص (٦٣، ٦٤، ٦٥) . (٥) قال ابن رجب: وقد نسب طائفة من العلماء الترمذي إلى التفرد بهذا التقسيم ... وقد سبقه البخاري إلى ذلك، كما ذكره الترمذي عنه في كتابه "العلل". اهـ. الجامع الكبير (٦/٢٥١) .