يدْرِكْنِيَ اللهُ بِتَوْبَةٍ أَصْبَحْتُ فِي ظِلَالِ النَّخْلِ وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ فِي الْحَرِّ وَالسَّمُومِ فِي عُنُقِهِ السَّيْفُ، وَقَدْ غَفَرَ اللهُ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ، ثُمَّ خَرَجَ يَبْتَغِي وَجْهَ اللهِ [تَعَالَى] [ (٢٠) ] وَالدَّارَ الْآخِرَةَ، فَاخْتَطَمَ أَبُو خَيْثَمَةَ نَاضِحَهُ فِي الْمَنْخِرِ، وَتَزَوَّدَ تَمَرَاتٍ فِي ظَبْيَةٍ وَإِدَاوَةَ مَاءٍ فَنَادَتْهُ امْرَأَتُهُ وَهُوَ يَرْتَحِلُ: يَا أَبَا خَيْثَمَةَ هَلُمَّ أُكَلِّمْكَ، قَالَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا أَلْتَفِتُ إِلَى أَهْلِي، وَلَا مَالِي حَتَّى آتِيَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلم لَيَسْتَغْفِرَ لِي.
وَقَالَ عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ بْنِ حَفْصٍ: كَانَ فِيمَا قِيلَ لَهُ هَلَكَ الْوَدِيُّ، لِوَدِيٍّ كَانَ غَرَسَهُ، فَقَالَ: الْغَزْوُ خَيْرٌ مِنَ الْوَدِيِّ، فَقَعَدَ عَلَى نَاضِحِهِ، ثُمَّ انْطَلَقَ وَأَدْرَكَهُ عُمَيْرُ بْنُ وَهْبٍ الْجُمَحِيُّ قَادِمًا مِنْ مَكَّةَ يُرِيدُ الْغَزْوَ، فَاصْطَحَبَا فَلَمَّا نَظَرَ إِلَى تَبُوكَ قَالَ أَبُو خَيْثَمَةَ لِعُمَيْرٍ: إِنَّ لِي ذَنْبًا وَإِنِّي تَخَلَّفْتُ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ خَرَجَ، فَتَخَلَّفْ عَنِّي فِدَاكَ أَبِي وَأُمِّي، فَتَخَلَّفَ عُمَيْرٌ، وَمَضَى أَبُو خَيْثَمَةَ، فَلَمَّا طَلَعَ أَبُو خَيْثَمَةَ لِتَبُوكَ، أَشْرَفَ الْمُسْلِمُونَ يَنْظُرُونَ إِلَيْهِ، وَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ! هَذَا رَاكِبٌ مِنْ قِبَلِ الْمَدِينَةِ، قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كُنْ أَبَا خَيْثَمَةَ! فَأَتَاهُ أَبُو خَيْثَمَةَ [وَهُوَ] [ (٢١) ] يَبْكِي فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم: مَا خَلَّفَكَ يَا أَبَا خَيْثَمَةَ أَوْلَى لَكَ، قَالَ أَبُو خَيْثَمَةَ: كِدْتُ يَا نَبِيَّ اللهِ إِنَّ أَهْلِكَ بِتَخَلُّفِي عَنْكَ، وَتَزَيَّنَتْ لِيَ الدُّنْيَا، وَتَزَيَّنَ لِي مَالِي فِي عَيْنِي، وَكِدْتُ أَنْ أَخْتَارَهُ عَلَى الْجِهَادِ، فَعَزَمَ اللهُ عَلَيَّ بِالْخُرُوجِ، فَاسْتَغْفَرَ لَهُ وَدَعَا لَهُ بِالْبَرَكَةِ، وَخَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ خَرَجَ يُرِيدُ الشَّامَ، وَكُفَّارَ الْعَرَبِ، فَكَانَ أَقْصَى أَثَرِهِ مَنْزِلَهُ مِنْ تَبُوكَ.
لَفْظُ حَدِيثِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، وَحَدِيثِ عُرْوَةَ بِمَعْنَاهُ إِلَّا أَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ قَوْلُ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، زَادَ فِي رِوَايَةِ عُرْوَةَ فِي آخِرِهَا: وَكَانَ ذَلِكَ وَفِي زَمَانٍ قَلَّ مَاؤُهَا فِيهِ، فَاغْتَرَفَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم غَرْفَةً بِيَدِهِ مِنْ مَاءٍ فَمَضْمَضَ بِهِ فَاهُ، ثُمَّ بَصَقَهُ فِيهَا فَفَارَتْ عَنْهَا حَتَّى امْتَلَأَتْ فَهِيَ كَذَلِكَ حتى الساعة.
[ (٢٠) ] الزيادة من (ك) .[ (٢١) ] من (ك) .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute