خَرَجَ إِلَى حُنَيْنٍ اسْتِئْلَافًا لَهُمْ، حَتَّى إِنَّهُ لَيُعْطِي الرَّجُلَ الْوَاحِدَ مِائَةَ نَاقَةٍ، وَالْآخَرَ أَلْفَ شَاةٍ، وَزَوَى كَثِيرًا مِنَ الْقَسْمِ عَنْ أَصْحَابِهِ، فَوَجَدَتِ الْأَنْصَارُ فِي أَنْفُسِهَا مِنْ ذَلِكَ، وَقَالُوا: نَحْنُ أَصْحَابُ كُلِّ مَوْطِنِ شِدَّةً، ثُمَّ آثَرَ قَوْمَهُ عَلَيْنَا، وَقَسَمَ فِيهِمْ قَسْمًا لَمْ يَقْسِمْهُ لَنَا، وَمَا نَرَاهُ فَعَلَ ذَلِكَ إِلَّا وَهُوَ يُرِيدُ الْإِقَامَةَ بَيْنَ ظَهْرَانَيْهِمْ فَلَمَّا بَلَغَ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِمُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَاهُمْ فِي مَنْزِلِهِمْ، فَجَمَعَهُمْ، وَقَالَ: «مَنْ كَانَ هَاهُنَا مِنْ غَيْرِ الْأَنْصَارِ فَلْيَرْجِعْ إِلَى رَحْلِهِ» ، فَتَشَهَّدَ ثُمَّ قَالَ:
«حُدِّثْتُ أَنَّكُمْ عَتَبْتُمْ فِي الْغَنَائِمِ أَنْ آثَرْتُ بِهَا نَاسًا أَسْتَأْلِفُهُمْ عَلَى الْإِسْلَامِ وَلَعَلَّهُمْ يَفْقَهُوَنَ وَقَدْ أَدْخَلَ اللهُ [تَعَالَى] [ (٣٠) ] قُلُوبَكُمُ الْإِيمَانَ وَخَصَّكُمْ بِالْكَرَامَةِ وَسَمَّاكُمْ أَحْسَنَ الْأَسْمَاءِ أَفَلَا تَرْضَوْنَ أَنْ يَذْهَبَ النَّاسُ بِالْغَنَائِمِ وَتَرْجِعُونَ بِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوَاللهِ لَوْلَا الْهِجْرَةُ لَكُنْتُ امْرَأً مِنَ الْأَنْصَارِ وَلَوْ سَلَكَ النَّاسُ وَادِيًا وَسَلَكْتُمْ وَادِيًا لَسَلَكْتُ [وَادِيَكُمْ] [ (٣١) ] فَارْضَوْا فَإِنَّمَا أَنْتُمْ شِعَارٌ وَالنَّاسُ دِثَارٌ» ، فَلَمَّا سَمِعُوا قَوْلَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم بَكَوْا فَكَثُرَ بُكَاؤُهُمْ، وَقَالُوا: اللهُ وَرَسُولُهُ أَمَنُّ وَأَفْضَلُ، قَالَ:
«ارْجِعُوا إِلَيَّ فِيمَا كَلَّمْتُكُمْ بِهِ» قَالُوا: وَجَدْتَنَا يَا رَسُولَ اللهِ فِي ظُلُمَاتٍ فَأَخْرَجَنَا اللهُ مِنْهَا بِكَ إِلَى الْجَنَّةِ وَوَجَدْتَنَا عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَنَا اللهُ بِكَ، وَوَجَدْتَنَا ضَالِّينَ فَهَدَانَا اللهُ بِكَ، وَوَجَدْتَنَا أَذِلَّةً قَلِيلًا فَأَعَزَّنَا اللهُ [تَعَالَى] [ (٣٢) ] بِكَ وَكَثَّرَنَا فَرَضِينَا بِاللهِ رَبًّا، وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا وَبِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَسُولًا، فَافْعَلْ مَا شِئْتَ فَأَنْتَ يَا رَسُولَ اللهِ فِي حِلٍّ مُحَلَّلٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم: «أما والله أَجَبْتُمُونِي بِغَيْرِ هَذَا لَقُلْتُ صَدَقْتُمْ، لَوْ قُلْتُمْ أَلَمْ تَأْتِنَا طَرِيدًا فَآوَيْنَاكَ، وَمُكَذَّبًا فَصَدَّقْنَاكَ، وَمَخْذُولًا فَنَصَرْنَاكَ، وَقَبِلْنَا مَا رَدَّ عَلَيْكَ النَّاسُ، لَقُلْتُ: صَدَقْتُمْ» . قَالَتِ الْأَنْصَارُ: بَلْ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ عَلَيْنَا، وَعَلَى غَيْرِنَا الْمَنُّ وَالْفَضْلُ، ثُمَّ بَكَوَا الثَّانِيَةَ حَتَّى
[ (٣٠) ] الزيادة من (ك) فقط.[ (٣١) ] الزيادة من (ح) و (ك) .[ (٣٢) ] الزيادة من (ك) .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute