أنا وأبي وجدي فتقدم المنكر١ على المرفوع، وفي الثاني "لقد وعدت أنا وأبي وجدي هذا" فتؤخر: وعليه قوله تعالى في سورة النمل: {لَقَدْ وُعِدْنَا هَذَا نَحْنُ وَآبَاؤُنَا} ، وقوله تعالى في سورة المؤمنين:{لَقَدْ وُعِدْنَا نَحْنُ وَآبَاؤُنَا هَذَا} ، فإن ما قبل الأولى:{إذا كنا ترابا وآباؤنا أئنا لمخرجون} ، وما قبل الثانية:{أإذا متنا وكنا ترابا وعظامًا أئنا لمبعوثون} فالجهة المنظور فيها هناك كونهم أنفسهم وآباؤهم ترابًا، والجهة المنظور فيها هنا كونهم ترابًا وعظامًا، ولا شبهة أن الأولى أدخل عندهم في تبعيد البعث.
٣- أو كما إذا عرفت في التأخير مانعًا٢ كما في قوله تعالى في سورة المؤمنين:{وَقَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِلِقَاءِ الْآخِرَةِ وَأَتْرَفْنَاهُم} بتقديم المجرور٣ على الوصف٤؛ لأنه لو أخر عنه وأنت تعلم أن تمام الوصف بتمام ما يدخل في صلة الموصول وتمامه:{وَأَتْرَفْنَاهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} لاحتمل أن يكون ٥ من صلة الدنيا٦ واشتبه الأمر في القائلين أنهم من قومه أم لا بخلاف قوله تعالى في موضع آخر منها: {وَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوامِنْ قَوْمِهِ} . فإنه جاء على الأصل لعدم المانع. وكما في قوله تعالى في سورة طه:{آمَنَّا بَرَبِّ هَارُونَ وَمُوْسَى} ، للمحافظة على الفاصلة بخلاف قوله تعالى في سورة الشعراء:{رََبِ مُوْسَى وَهَرُوْنَ} . "انتهى كلام السكاكي". وفيما ذكره نظر من وجوه.
١ وهو "هذا"؛ لأنه راجع إلى منكر وهو شيء. وربما كانت "المنكر" من الإنكار. ٢ أي مثل الإخلال بالمقصود. ٣ وهو "من قومه". ٤ وهو "الذين". ٥ أي "من قومه". ٦ لأنها ههنا اسم تفضيل من الدنو وليست اسمًا، والدنو يتعدى بمن.