للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْجَنَابَةِ, فَذَكَرَهُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَهُ: "إنَّمَا كَانَ يَكْفِيك أَنْ تَقُولَ هَكَذَا" وَضَرَبَ بِيَدَيْهِ إلَى الْأَرْضِ ثُمَّ نَفَخَهُمَا ثُمَّ مَسَحَ بِهِمَا وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ إلَى نِصْفِ الذِّرَاعِ. وَرَوَى الزُّهْرِيُّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ عَنْ عَمَّارٍ: أَنَّهُمْ مَسَحُوا وَهُمْ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالصَّعِيدِ ضَرْبَةً وَاحِدَةً لِلْوَجْهِ وَضَرْبَةً لِلْيَدَيْنِ إلَى الْمَنَاكِبِ وَالْآبَاطِ. فَلَمَّا اخْتَلَفَتْ أَحَادِيثُ عَمَّارٍ هَذَا الِاخْتِلَافَ وَاتَّفَقُوا أَنَّ التَّيَمُّمَ إلَى الْمَنَاكِبِ غَيْرُ ثَابِتِ الْحُكْمِ, وَمَعَ ذَلِكَ لَمْ يَعْزُهُ عَمَّارٌ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِنَّمَا حَكَى فِعْلَ نَفْسِهِ, لَمْ يَثْبُتْ التَّيَمُّمُ إلَى الْمَنَاكِبِ; وَإِنْ كَانَ لَهُ وَجْهٌ فِي الِاحْتِمَالِ وَهُوَ أَنَّهُ جَائِزٌ أَنْ يَكُونَ عَمَّارٌ ذَهَبَ فِي ذَلِكَ مَذْهَبَ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي غَسْلِهِ ذِرَاعَيْهِ فِي الْوُضُوءِ إلَى إبِطَيْهِ عَلَى وَجْهِ الْمُبَالَغَةِ فِيهِ, لِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إنَّكُمْ الْغُرُّ الْمُحَجَّلُونَ مِنْ آثَارِ الْوُضُوءِ, فَمَنْ أَرَادَ أَنْ يُطَوِّلَ غُرَّتَهُ فَلْيَفْعَلْ" فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: إنِّي أُحِبُّ أَنْ أُطِيلَ غُرَّتِي. ثُمَّ بَقِيَ مِنْ أَخْبَارِ عَمَّارٍ مِمَّا عَزَاهُ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْوَجْهُ وَالْكَفَّانِ وَنِصْفُ الذِّرَاعِ إلَى الْمِرْفَقَيْنِ, فَكَانَتْ رِوَايَةُ مَنْ رَوَى" إلَى الْمِرْفَقَيْنِ" أَوْلَى لِوُجُوهٍ: أَحَدُهَا أَنَّهُ زَائِدٌ عَلَى رِوَايَاتِ الْآخَرِينَ, وَخَبَرُ الزَّائِدِ أَوْلَى. وَالثَّانِي: أَنَّ الْآيَةَ تَقْتَضِي الْيَدَيْنِ إلَى الْمَنْكِبَيْنِ لِدُخُولِهِمَا تَحْتَ الِاسْمِ, فَلَا يَخْرُجُ شَيْءٌ مِنْهُ إلَّا بِدَلِيلٍ, وَقَدْ قَامَتْ الدَّلَالَةُ عَلَى خُرُوجِ مَا فَوْقَ الْمِرْفَقَيْنِ فَبَقِيَ حُكْمُهُ إلَى الْمِرْفَقَيْنِ. وَالثَّالِثُ: أَنَّ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ وَالْأَسْلَعِ التَّيَمُّمَ إلَى الْمِرْفَقَيْنِ مِنْ غَيْرِ اخْتِلَافٍ عَنْهُمَا فِي رِوَايَتِهِ مَا, وَقَوْلُ الزُّهْرِيِّ: "يَمْسَحُ يَدَيْهِ إلَى الْإِبِطِ" قَوْلٌ شَاذٌّ, وَمَعَ ذَلِكَ لَمْ يَرْوِهِ أَحَدٌ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَأَمَّا قَوْلُ ابْنِ أَبِي لَيْلَى وَالْحَسَنِ بْنِ صَالِحٍ: "أَنَّهُ يَمْسَحُ بِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْ الضَّرْبَتَيْنِ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ" فَخِلَافُ مَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَائِرِ الْأَخْبَارِ الَّتِي ذَكَرَ فِيهَا صِفَةَ التَّيَمُّمِ; لِأَنَّ الَّذِي رُوِيَ فِي بَعْضِهَا: ضَرْبَتَانِ: ضَرْبَةٌ لِلْوَجْهِ وَضَرْبَةٌ لِلْيَدَيْنِ إلَى الْمِرْفَقَيْنِ" فَلَمْ يَجْعَلْ مَا لِلْوَجْهِ لِلْيَدَيْنِ وَمَا لِلْيَدَيْنِ لِلْوَجْهِ, وَفِي بَعْضِهَا: "ضَرْبَةٌ وَاحِدَةٌ لَهُمَا" فَقَوْلُهُمَا خَارِجٌ عَنْ حُكْمِ الْخَبَرَيْنِ جَمِيعًا; وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ خِلَافُ الْأُصُولِ; لِأَنَّ التَّيَمُّمَ مَسْحٌ, فَلَيْسَ تَكْرَارُهُ بِمَسْنُونٍ كَالْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ وَمَسْحِ الرَّأْسِ, وَلَوْ كَانَ التَّكْرَارُ مَسْنُونًا فِيهِ لَكَانَ ثَلَاثًا كَالْأَعْضَاءِ الْمَغْسُولَةِ. وَإِنَّمَا قَالَ أَصْحَابُنَا فِي صِفَةِ التَّيَمُّمِ "إنَّهُ يَضَعُ يَدَيْهِ عَلَى الصَّعِيدِ يُقْبِلُ بِهِمَا وَيُدْبِرُ" لِيَتَخَلَّلَ أَصَابِعَهُ وَيُصِيبُ جَمِيعَهَا, وَإِنَّمَا قَالُوا: "يَنْفُضُهُمَا" لِمَا رَوَى الْأَعْمَشُ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ أَبِي مُوسَى أَنَّ عَمَّارًا قَالَ, وَذَكَرَ قِصَّةَ التَّيَمُّمِ, فَقَالَ: إنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "إنَّمَا كَانَ يَكْفِيك أَنْ تَصْنَعَ هَكَذَا" وَضَرَبَ بِيَدِهِ عَلَى الْأَرْضِ; وَفِي حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبْزَى عَنْ عَمَّارٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّهُ ضَرَبَ بِيَدَيْهِ إلَى الْأَرْضِ ثُمَّ نَفَخَهُمَا, وَفِي حَدِيثِ الْأَسْلَعِ: أَنَّهُ نَفَضَهُمَا فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَالنَّفْخُ وَالنَّفْضُ جَمِيعًا إنَّمَا هُوَ لِإِزَالَةِ التُّرَابِ عَنْ يَدِهِ, وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ الْمَقْصَدُ فِيهِ وُصُولَ التُّرَابِ إلَى وَجْهِهِ وَلَا حُصُولَهُ فِيهِ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ الْمَقْصَدُ حُصُولَ التُّرَابِ فِي الْعُضْوِ لَمَا نَفَضَهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>