للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ تَوَضَّأَ مَرَّةً مَرَّةً وَقَالَ: "هَذَا وُضُوءُ مَنْ لَا يَقْبَلُ اللَّهُ لَهُ صَلَاةً إلَّا بِهِ" وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ التَّسْمِيَةَ; وَقَدْ عَلَّمَ الْأَعْرَابِيَّ الطَّهَارَةَ فِي الصَّلَاةِ فِي حَدِيثِ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعٍ وَقَالَ: "لَا تَتِمُّ صلاة أحدكم حتى يسبغ الوضوء فيغسل وجهه وَيَدَيْهِ". إلَى آخِرِهِ, وَلَمْ يَذْكُرْ التَّسْمِيَةَ; وَحَدِيثُ عَلِيٍّ وَعُثْمَانَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ وَغَيْرِهِمْ فِي صِفَةِ وُضُوءِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَذْكُرْ أَحَدٌ مِنْهُمْ التَّسْمِيَةَ فَرْضًا فِيهِ, وَقَالُوا: هَذَا وُضُوءُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَوْ كَانَتْ التَّسْمِيَةُ فَرْضًا فِيهِ لَذَكَرُوهَا وَلَوَرَدَ النَّقْلُ بِهِ مُتَوَاتِرًا فِي وَزْنِ وُرُودِ النَّقْلِ فِي سَائِرِ الْأَعْضَاءِ الْمَفْرُوضِ طَهَارَتُهَا, لِعُمُومِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ.

فَإِنْ احْتَجُّوا بِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "لَا وُضُوءَ لِمَنْ لَمْ يَذْكُرْ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ". قِيلَ لَهُ: لَا تَجُوزُ الزِّيَادَةُ فِي نَصِّ الْقُرْآنِ إلَّا بِمِثْلِ مَا يَجُوزُ بِهِ النَّسْخُ, فَهَذَا سُؤَالٌ سَاقِطٌ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: مَا ذَكَرْنَا, وَالْآخَرُ أَنَّ أَخْبَارَ الْآحَادِ غَيْرُ مَقْبُولَةٍ فِيمَا عَمَّتْ الْبَلْوَى بِهِ, وَإِنْ صَحَّ احْتَمَلَ أَنَّهُ يُرِيدُ بِهِ نَفْيَ الْكَمَالِ لَا نَفْيَ الْأَصْلِ, كَقَوْلِهِ: "لَا صَلَاةَ لِجَارِ الْمَسْجِدِ إلَّا فِي الْمَسْجِدِ" وَ "مَنْ سَمِعَ النِّدَاءَ فَلَمْ يُجِبْ فَلَا صَلَاةَ لَهُ" وَنَحْوِ ذَلِكَ.

فَإِنْ قِيلَ: لَمَّا كَانَ الْحَدَثُ يُبْطِلُهُ صَارَ كَالصَّلَاةِ فِي الْحَاجَةِ إلَى ذِكْرِ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى فِي ابْتِدَائِهِ. قِيلَ لَهُ: قَوْلُك إنَّ الْحَدَثَ يُبْطِلُ الصَّلَاةَ غَلَطٌ عِنْدَنَا لِأَنَّهُ جَائِزٌ بَقَاءُ الصَّلَاةِ مَعَ الْحَدَثِ إذَا سَبَقَهُ وَيَتَوَضَّأُ وَيَبْنِي; وَأَيْضًا فَلَيْسَتْ الْعِلَّةُ فِي حَاجَةِ الصَّلَاةِ إلَى الذِّكْرِ أَنَّ الْحَدَثَ يُبْطِلُهَا وَإِنَّمَا الْمَعْنَى أَنَّ الْقِرَاءَةَ مَفْرُوضَةٌ فِيهَا, وَأَيْضًا نَقِيسُهُ عَلَى غَسْلِ النَّجَاسَةِ بِمَعْنَى أَنَّهُ طَهَارَةٌ, وَأَيْضًا فَقَدْ وَافَقُونَا عَلَى إنْ تَرَكَهَا نَاسِيًا لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الطَّهَارَةِ; فَبَطَلَ بِذَلِكَ قَوْلُهُمْ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ الصَّلَاةَ يَسْتَوِي فِي بُطْلَانِهَا تَرْكُ ذِكْرِ التَّحْرِيمَةِ نَاسِيًا أَوْ عَامِدًا, وَالثَّانِي: أَنَّهَا لَوْ كَانَتْ فَرْضًا لَمَا أَسْقَطَهَا النِّسْيَانُ; إذْ كَانَتْ شَرْطًا فِي صحة الطهارة كسائر شرائطها المذكورة.

<<  <  ج: ص:  >  >>