فَإِنْ قِيلَ: لَمَّا كَانَ بَعْضُهُ مَنُوطًا بِبَعْضٍ حَتَّى لَا يَصِحَّ لِبَعْضِهِ حُكْمٌ إلَّا بِجَمِيعِهِ أَشْبَهَ أَفْعَالَ الصَّلَاةِ. قِيلَ لَهُ: هَذَا مُنْتَقَضٌ بِالْحَجِّ; لِأَنَّ بَعْضَهُ مَنُوطٌ بِبَعْضٍ, أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَقِفْ بِعَرَفَةَ بَطَلَ إحْرَامُهُ وَطَوَافُهُ الَّذِي قَدَّمَهُ وَلَمْ يَجِبْ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ مُتَابَعَةُ أَفْعَالِهِ؟ وَأَيْضًا فَإِنَّهُ قَدْ ثَبَتَ لِغَسْلِ بَعْضِ الْأَعْضَاءِ حُكْمٌ دُونَ بَعْضٍ, أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ بِذِرَاعِهِ عُذْرٌ لَسَقَطَ فَرْضُ طَهَارَتِهِ عَنْهُ؟ وَلَيْسَ كَذَلِكَ الصَّلَاةُ لِأَنَّ أَفْعَالَهَا كُلَّهَا مَنُوطَةٌ بَعْضُهَا بِبَعْضٍ, فَإِمَّا أَنْ يَسْقُطَ جَمِيعُهَا أَوْ يَثْبُتَ جَمِيعُهَا عَلَى الْحَالِ الَّتِي يُمْكِنُ فِعْلُهَا, فَمِنْ حَيْثُ جَازَ سُقُوطُ بَعْضِ أَعْضَاءِ الطَّهَارَةِ وَبَقِيَ الْبَعْضُ أَشْبَهَ الصَّلَاةَ وَالزَّكَاةَ وَسَائِرَ الْعِبَادَاتِ إذَا اجْتَمَعَ وُجُوبُهَا عَلَيْهِ فَيَجُوزُ تَفْرِيقُهَا عَلَيْهِ. وَأَيْضًا فَإِنَّ الصَّلَاةَ إنَّمَا لَزِمَ فِيهَا الْمُوَالَاةُ مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ لِأَنَّهُ يَدْخُلُ فِيهَا بِتَحْرِيمَةٍ وَلَا يَصِحُّ بِنَاءً أَفْعَالُهَا إلَّا عَلَى التَّحْرِيمَةِ الَّتِي دَخَلَ بِهَا فِي الصَّلَاةِ, فَمَتَى أَبْطَلَ التَّحْرِيمَةَ بِكَلَامٍ أَوْ فِعْلٍ لَمْ يَصِحَّ لَهُ بِنَاءً بَاقِي أَفْعَالِهَا بِغَيْرِ تَحْرِيمَةٍ, وَالطَّهَارَةُ لَا تَحْتَاجُ إلَى تَحْرِيمَةٍ, أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَصِحُّ فِي أَضْعَافِهَا الْكَلَامُ وَسَائِرُ الْأَفْعَالِ وَلَا يُبْطِلُهَا ذَلِكَ؟ وَإِنَّمَا شَرَطَ فِيهِ مَنْ قَالَ ذَلِكَ عَدَمَ جَفَافِ الْعُضْوِ قَبْلَ إتْمَامِ الطَّهَارَةِ وَجَفَافُ الْعُضْوِ لَا تَأْثِيرَ لَهُ فِي حُكْمِ رَفْعِ الطَّهَارَةِ, أَلَا تَرَى أَنَّ جَفَافَ جَمِيعِ الْأَعْضَاءِ لَا يُؤَثِّرُ فِي رَفْعِهَا؟ كَذَلِكَ جَفَافُ بَعْضِهَا. وَأَيْضًا فَلَوْ كَانَ هَذَا تَشْبِيهًا صَحِيحًا وَقِيَاسًا مُسْتَقِيمًا لَمَا صَحَّ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ; إذْ غَيْرُ جَائِزٍ الزِّيَادَةُ فِي النَّصِّ بِالْقِيَاسِ فَلَا مَدْخَلَ لِلْقِيَاسِ هَهُنَا. وَأَيْضًا فَإِنَّهُ لَا خِلَافَ أَنَّهُ لَوْ كَانَ فِي الشَّمْسِ وَوَالَى بَيْنَ الْوُضُوءِ إلَّا أَنَّهُ كَانَ يَجِفُّ الْعُضْوُ مِنْهُ قَبْلَ أَنْ يَغْسِلَ الْآخَرَ أَنَّهُ لَا يُوجِبُ ذَلِكَ بُطْلَانَ الطَّهَارَةِ, كَذَلِكَ إذَا جَفَّ بِتَرْكِهِ إلَى أَنْ يَغْسِلَ الْآخَرَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute