الحديثين وأمثالهما مبينة للآية في تحديد الرضاعة المحرمة.
الثاني: أن قليل الرضاع وكثيره يحرّم وهو مذهب الحنفية والمالكية ورواية عند الحنابلة (١). واستدلوا بعموم قوله تعالى:{وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ}(٢)، وعموم حديث عائشة -رضي الله عنها- قالت: قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "يحرم من الرضاعة ما يحرم من الولادة" متفق عليه (٣).
وقالوا إن ما ورد فيه التقدير منسوخ بما روي عن ابن عباس -رضي الله عنهما- حين قيل له: إن الناس يقولون إن الرضعة لا تحرم، فقال:"كان ذلك ثم نسخ"(٤).
وما روي عن ابن مسعود -رضي الله عنه- قال:"آل أمر الرضاع إلى أن قليله وكثيره يحرم"(٥).
وعن عمرو بن دينار قال:"سئل ابن عمر -رضي الله عنهما- عن شيء من أمر الرضاع فقال: لا أعلم إلا أن الله قد حرم الأخت من الرضاعة فقلت: إن أمير المؤمنين ابن الزبير يقول: لا تحرم الرضعة ولا الرضعتان ولا المصة ولا المصتان فقال ابن عمر -رضي الله عنه-: قضاء الله خير من قضائك وقضاء أمير المؤمنين معك"(٦). وفي رواية
(١) أحكام القرآن للجصاص (٢/ ١١٣)، بدائع الصنائع (٤/ ٧)، شرح فتح القدير (٣/ ٤٣٨)، تبيين الحقائق (٢/ ١٨٢)، بداية المجتهد (٢/ ٢٧)، تفسير القرطبي (٥/ ١٠٩)، المغني (٩/ ١٩٢). (٢) سورة النساء: ٢٣. (٣) صحيح البخاري برقم (٢٥٠٣، و ٤٩٤١)، وصحيح مسلم برقم (١٤٤٤). (٤) لم أجده، وقد روى البيهقي في سننه (٧/ ٤٥٨) عن ابن عباس أنه كان يقول: "قليل الرضاع وكثيره يحرم في المهد". (٥) لم أجده وقد أخرج البيهقي في سننه (٧/ ٤٥٨) عن علي وابن مسعود -رضي الله عنه- قالا: "يحرم من الرضاع قليله وكثيره". (٦) أخرجه سعيد بن منصور (١/ ٢٨١)، وعبد الرزاق [٧/ ٤٦٧ (١٣٩١٩)]، والدارقطنيُّ (٤/ ١٨٣)، والبيهقيُّ (٧/ ٤٥٨).