{وَأَنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ} ١.
الكسر على الاستئناف والفتح على العطف على:{بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ} ٢، فيكون من جملة ما بشر به الشهداء وهو أن الله سبحانه يفعل بغيرهم من المؤمنين مثل ما فعل بهم من حسن الخاتمة، وقال أبو علي: المعنى يستبشرون بتوفر ذلك عليهم ووصوله إليهم؛ لأنه إذا لم يضعه وصل إليهم فلم يبخسوه ولم ينقصوه وحزن وأحزن لغتان وقيل حزنه بمعنى جعل فيه حزنا مثل كحله ودهنه؛ أي: جعل فيه كحلا ودهنا، ومثل حزنه في هذا المعنى: فتنه، قال سيبويه: وقال بعض العرب: أفتنت الرجل وأحزنته أراد جعلته حزينا وفاتنا، واستثنى نافع من ذلك ما في الأنبياء وهو:{لا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ} ٣.
فقرأه كالجماعة بفتح الياء وضم الزاي، فقوله: غير الأنبياء؛ أي: غير حرف الأنبياء، ورفقا مصدر في موضع الحال؛ أي: ذوي رفق بمعنى: رافقين، وأحفلا حال من فاعل أكسر؛ أي: حافلا بهذه القراءة.
حرفا يحسبن فاعل خاطب جعلهما مخاطبين لما كان الخطاب فيهما، وقد استعمل هذا التجوز كثيرا في هذه القصيدة نحو: وخاطب فيها تجمعون له ملا، وأراد بالحرفين:{وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ} ٤، {وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا} ٥.
فأما الأول فعلى قراءة الجماعة بالغيب يكون:{أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لأنفُسِهِمْ} سد مسد مفعولي حسب نحو: {أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ} ٦.
وفي الثاني يكون المفعول الأول محذوفا؛ أي: البخل خبرًا لهم، وقراءة حمزة بالخطاب مشكلة، وقد صرح جماعة من أهل العربية بعدم جوازها، قال أبو جعفر النحاس: زعم أبو حاتم أنه لحن لا يجوز، قال: وتابعه على ذلك جماعة، وقال الزجاج: من قرأ: {وَلا يَحْسَبَنّ} بالتاء لم يجز عند البصريين إلا كسر "إن"؛ المعنى: لا تحسبن الذين كفروا إملاؤنا لهم خير لهم، ودخلت أن مؤكدة فإذا فتحت صار المعنى ولا تحسبن الذين كفروا إملاءنا خيرا لهم، قال أبو إسحاق: وهو عندي يجوز في هذا الموضع على البدل من الذين، المعنى: ولا تحسبن إملاءنا للذين كفروا خيرا لهم، وقد قرأ بها خلق كثير ومثل هذه القراءة من الشعر قول الشاعر:
١ سورة آل عمران، آية: ١٧١. ٢ سورة آل عمران، آية: ١٧٤ ٣ سورة الأنبياء، آية: ١٠٣. ٤ سورة آل عمران، آية: ١٧٨. ٥ سورة آل عمران، آية: ١٨٠. ٦ سورة الفرقان، آية: ٤٤.