يقول ابن مسعود: فأتيتُ النبي - صلى الله عليه وسلم - فأخبرتُه، فغضب حتى رأيتُ الغضب في وجهه، ثم قال:((يرحم الله موسى، قد أوذي بأكثر من هذا فصبر)). (١)
إنه يمتثل أمر ربه وهو يقول له:{فاصفح الصفح الجميل}(الحجر: ٨٥).
ويقوم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في المسجد؛ حتى إذا بلغ وسطه أدركه رجل، فجبذ بردائه من ورائه، وكان رداؤه - صلى الله عليه وسلم - خشناً، فحمّر رقَبتَه، فقال: يا محمد، احمل لي على بعيريَّ هذين، فإنك لا تحمل من مالك ولا من مال أبيك.
فقال رسول الله:((لا، وأستغفر الله، لا أحملُ لك حتى تُقِيدني مما جبذتَ برقبتي)) فقال الأعرابي: لا والله لا أُقيدُك.
يقول أبو هريرة: فلما سمعنا قولَ الأعرابي أقبلنا إليه سراعاً، فالتفت إلينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال:((عزمتُ على من سمع كلامي أن لا يبرح مقامَه حتى آذن له)).
ثم قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لرجل من القوم:((يا فلان، احمل له على بعير شعيراً، وعلى بعير تمراً)). ثم قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأصحابه:((انصرفوا)). (٢)
قال السندي:"أراد أنه لكمال كرمه يعفو البتة، وفي أمثال هذه الأحاديث دليل على أنه لولا (أي: لو لم يؤت) المعجزات إلا هذا الخلق لكفى شاهداً على النبوة". (٣){فبما رحمةٍ من الله لنت لهم ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله إن الله يحب المتوكلين}(آل عمران: ١٥٩).
ومن حلمه - صلى الله عليه وسلم - أن أعرابياً جهل حرمة المسجد، فقام يبول في طرف المسجد، فقام إليه الصحابة ينتهرونه، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((لا تزرموه، دعوه)) فتركوه.
(١) رواه البخاري ح (٣٤٠٥)، ومسلم ح (١٠٦٢). (٢) رواه النسائي ح (٤٧٧٦)، وأبو داود ح (٤٧٧٥). (٣) شرح السندي على النسائي (٨/ ٣٤).