منْ قالَ لكم إنَّ الحادثَ لا يقومُ إلَّا بحادثٍ. منْ أينَ جاءتْ هذهِ القاعدةُ؟ هلْ هيَ في القرآنِ الكريمِ؟ هلْ هيَ في السنَّةِ المطهَّرةِ؟ هلْ هيَ في العقلِ؟ وكلُّ منْ أمعنَ النَّظرَ وفهمَ حقيقةَ الأمرِ علمَ أنَّ السَّلفَ كانوا أعمقَ منْ هؤلاءِ علمًا، وأبرَّ قلوبًا، وأقلَّ تكلُّفًا، وأنَّهم فهموا منْ حقائقِ الأمورِ ما لمْ يفهمهُ هؤلاءِ، الذين خالفوهم، وقبلوا الحقَّ وردُّوا الباطلَ ومنْ هداهُ الله سبحانه وتعالى أيقنَ فسادَ هذا الكلامِ (١).
الوجهُ الثاني:
إننا نقابلُ هذهِ القاعدةِ الفاسدةِ بقاعدةٍ أكملَ منهَا وأوضحَ وهوَ: أنَّ الفعَّالَ لما يريدُ أكملُ منَ الذي لا يفعلُ. والله سبحانه وتعالى يفعلُ ما يشاءُ، والله يحدثُ ما يشاءُ، لا معقِّبَ لحكمهِ، فمَا منْ فعلٍ يفعلهُ إلَّا وقدْ حدثَ بعدَ أنْ لمْ يكنْ. وأنتم إذا عطَّلتم الله عزَّ وجلَّ عنِ الأفعالِ الإختياريةِ - كالاستواءِ والنزولِ والضحكِ والفرحِ والغضبِ - معنى ذلك: وصفتموهُ بأنقص ما يكونُ «والكَمَالُ في اتِّصَافِهِ بهذه الصِّفَاتِ؛ لا في نَفْي اتِّصَافِهِ بها»(٢).