وقال آخرون وهم الأكثرون: إن الإيمان يزيد وينقص، وقد قال الزمخشري في تصوير ذلك الرأي من هذه الآية: لما أخلصوا النية والعزم على الجهاد، وأظهروا حمية الإسلام كان ذلك أثبت ليقينهم وأقوى لاعتقادهم، كما يزداد الإيقان بتناصر الحجج، ولأن خروجهم على أثر التثبيط - إلى العدو طاعة عظيمة، والطاعات من جملة الإيمان لأن الإيمان اعتقاد وإقرار وعمل، وعن ابن عمر رضي الله عنه أنه كان يأخذ بيد الرجل، فيقول: قم بنا نزدد إيمانا، وعنه:" لو وزن إيمان أبي بكر بإيمان هذه الأمة لرجح ".
ولقد قالوا: إن قوة الإيمان بإشراقه في القلب، وشدة ذلك الإشراق، وروي عن علي بن أبي طالب كرم الله وجهه. عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: " إن الإيمان ليبدو لَمْظَة بيضاء في القلب، وكلما ازداد الإيمان ازدادت اللمظة "(١). أي كثر الصفاء وأشرق البياض، وكان العمل الصالح.
والإيمان هو اليقين الجازم القاطع واليقين وهو من حيث أثره في النفس ثلاث مراتب:
أولاها: علم اليقين، وهي أن تتوافر الأدلة والاطمئنان حتى يكون اليقين الجازم القاطع الذي لَا يكون معه شك ولا ريب، ولا إنكار أو جحود، بل تسليم وإذعان من غير مماراة.
وثانيها: عين اليقين، وهو أن تكون أعماله كلها وفق ذلك الاعتقاد الجازم، فيكون اليقين قد رؤى عيانا في الجوارح والأعمال.
والثالثة، وهي المرتبة العليا: حقيقة اليقين، وهي أن يصل إلى درجة تشبه المشاهدة أو تكون من جنسها وهي التي قال فيها النبي - صلى الله عليه وسلم -: " اعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك "(٢) وهذه مرتبة المشاهدة ولقد وصل إليها الأبرار من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - مثل أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، ولقد قال علي كرم الله
(١) ذكره القرطبي في التفسير: آل عمران (١٧٣)، وأحسبه موقوفا على علي رضي الله عنه. (٢) سبق تخريجه.