طواه النسيان، واعتلاه عند أصحاب المكتبات الغبار. أما أولئك فإنهم أصحاب جهاد وصبر.
قال تعالى:{وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا}(١).
قال الفضيل: والذين جاهدوا في طلب العلم لنهدينهم سبل العمل به (٢).
وتأمل سيرة الأئمة الأعلام كيف يسر الله لهم هذا الطريق وفتح لهم مغاليق الأبواب.
عن عكرمة قال: قال ابن عباس رضي الله عنهما: لما قبض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأنا شاب، قلت لشاب من الأنصار: هلم فلنسأل أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولنتعلم منهم فإنهم اليوم كثير، فقال لي: يا عجباً لك يا ابن عباس، أترى الناس يحتاجون إليك وفي الناس من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من فيهم؟ قال ابن عباس: فتركت ذلك الرجل وأقبلت أنا على المسألة، وجعلت أتبع الصحابة وأسألهم، فإن كنت لآتي الرجل في طلب حديث واحد يبلغني أنه سمعه من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فأجده قائلاً فأتوسد ردائي على بابه، تسفي الريح على وجهي التراب (أي تنثره) حتى يخرج، فإذا خرج قال: ابن عم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ ! ما جاء بك؟ هلا أرسلت إلي فآتيك، فأقول: لا أنا
أحق أن آتيك، بلغني حديث عنك أنك تحدثه عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأحببت أن أسمعه منك. قال ابن عباس: فكان ذاك الفتى الأنصاري يراني بعد
(١) سورة العنكبوت، الآية: ٦٩. (٢) تفسير النسفي ٢/ ١٣٠٧.