مستعينا بسياق الحال وسبب النزول، وبقرينة قراءة أهل المدينة التي لا تقبل إلا هذا المعنى.
• (تَكْلِمُهُمْ)(١): قراءة في قوله تعالى: {أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ}(٢). [التاج: كلم].
وجه الزبيدي القراءة السابقة على أنها من كَلَمَ يَكْلِمُ بمعنى جَرَحَ، أي: تَجْرَحُهُمْ وتَسِمُهُمْ في وُجُوهِهِمْ. وقيل:"تُكَلِّمُهُمْ" و"تَكْلِمُهُمْ" سواء كما تقول: تَجْرَحُهُمْ وتُجَرِّحُهُمْ ". [التاج: كلم]. ومعنى هذا أن في "تُكَلِّمُهُمْ" وجهين (٣):
الأول: أنها من الكَلام أي تحدثهم وتخبرهم، وهذا هو الظاهر وما عليه الجمهور. الثانى: أنها من الكَلْمِ أي من الجَرْحِ، والتشديد للمبالغة، وسيما قرئت "تُكَلِّمُهُمْ" أو "تَكْلِمُهُمْ" فإنه يمكن حملها على معنى الجَرْحِ.
يقول أبو حيان في تفسيره: "والظاهر أن قوله: "تُكَلِّمُهُمْ" بالتشديد وهي قراءة الجمهور، من الكلام؛ ويؤيده قراءة أُبَيٍّ:"تُنْبِئُهُمْ"، وفي بعض القراءات:"تُحَدِّثُهُمْ"، وهي قراءة يحيى بن سلام ... قال السُّدِّيُّ: تُكَلِّمُهُمْ بِبُطْلَانِ سَائِر الأديان سوى الإسلام. وقيل: تُخَاطِبُهُمْ، فتقول للمؤمن: هذا مؤمن وللكافر: هذا كافر. وقيل معنى "تُكَلِّمُهُمْ": تُجَرِّحُهُمْ من الكَلْمِ، والتشديد للتكثير؛ ويؤيده قراءة ابن عباس ... "تَكْلِمُهُمْ"، بفتح التاء وسكون الكاف مخفف اللام، وقراءة من قرأ:"تَجْرَحُهُمْ" مكان "تُكَلِّمُهُمْ". وسأل أبو الحوراء ابن عباس: تُكَلِّمُ أو تَكْلِمُ؟ فقال: كل ذلك تفعل، تُكَلِّمُ المؤمن وتَكْلِمُ الكافر" (٤).
ويأخذ النحاس بتفسير ابن عباس الذي يقول بإفادة الكلمة للمعنيين معا فيقول:" "تُكَلِّمُهُمْ" قال عكرمة أي تَسِمُهُمْ. وفي معنى "تُكَلِّمُهُمْ" قولان: فأحسن ما قيل فيه ما روي عن ابن عباس قال: هي والله تُكَلِّمُهُمْ وتِكْلِمُهُمْ، تُكَلِّمُ المؤمنَ،
(١) هي قراءة ابن عباس ومجاهد وابن جبير وأبي زرعة والجحدري وأبي حيوة وابن أبي عبلة وعكرمة وطلحة والحسن وأبي رجاء، انظر: معاني القرآن للفراء: ٢/ ٣٠٠، والمحتسب: ٢/ ١٤٤، ومعاني النحاس: ٥/ ١٤٧، ١٤٨، والتبيان للعكبري: ٢/ ١٧٥، والدر المصون: ١١/ ٢٩٩، ٣٠٠، ومعجم القراءات لمختار: ٣/ ٤٩١، ومعجم القراءات للخطيب: ٦/ ٥٥٨. (٢) النمل: ٨٢. (٣) انظر: معاني الفراء: ٢/ ٣٠٠، جامع البيان للطبري: ١٩/ ٤٩٩، ومعاني النحاس: ٥/ ١٤٧، ١٤٨، والتبيان: ٢/ ١٧٥، والدر المصون: ١١/ ٢٩٩، ٣٠٠. (٤) البحر المحيط: ٧/ ٨٠.